ومَا بدَّلوا تبديلًا ..
أنتَ مع من أحببت !
نشر في 11 يوليوز 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أُفكّر كثيرًا فينا، كجيل من المساكين. جيلٌ ما رأى الرسول ولا صحبه ولا رأى من رآهم، جيلٌ لا يجد على الحق أعوانًا مثلهم بل يجد على الشرّ أعوانا وأعوانا! جيل مسكين، حُرم اللغة فحُرم بذلك تذوق جمال كتاب الله وحديث رسوله الكريم!
أدركتُ هذا عندما مرّ عليّ حديث الحوض، حيث يُروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا .." والفَرِط في اللغة هو الرجل يتقدم القافلة ليعدّ لهم الماء ويُهيئه لهم!
يا لجمال دقة اللفظ الذي اختاره المصطفى.. إنه فرط هذه القافلة الممتدة لألف وأربعمائة عام، قافلة من عابري السبيل السائرين في فلاة الدنيا، زادهم منها كزاد الراكب.. يجدّون السير أملا في طيب الوصول إلى حوضه. قافلة يربط أولها بآخرها ميثاق المؤمنين؛ كتاب الله وسنة رسوله، من استمسك بهما وما بدّل عنهما تبديلًا لم يضل عن القافلة حتى تبلغ به الحوض، ومن فرّط فيهما أضاع القافلة وأضاع معها شربة الحوض..
وإنّا على أمل تلك الشربة نتحمل وحشة الأيام وثِقل الخطوة، موقنين أنَّ ظمأ هذه الحياة لن يرويه إلا تلك الشربة.
إنّ هذا المعنى كله، ما كنت لأستشعره لولا أن هداني الله لأبحث عن معنى "فرطكم" . وإنّي أغبط أصحاب النبيّ لا لأنهم رأوه فحسب، بل لأنهم كانوا يستشعرون هذه المعاني ويفهمونها دونما جهدٍ جهيد.
لم أكن أبدًا من الآيسين، وإني على حديث أجر الخمسين أحيا، وعلى حديث أنس رضي الله عنه عن الرجل الذي جاء يسأل النبي عن الساعة، فقال له "وماذا أعددت لها؟" فقال "لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله" فقال له الرسول "أنت مع من أحببت"، ما يلمس قلبي هو قول أنس "فما فرحنا بشيء فرحنا بقول الرسول أنت مع من أحببت، وإني أحبّ الرسول وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل عملهم"
وإني والله مثلُك يا أنس، أحبُّ الله ورسوله وأبا بكر وعمر وأرجو أن ألقاهم بحبي إياهم وإن لم أعمل عملهم.
إن من أجلّ خصائص هذا الدين، أنّ الحُبّ فيه يُنجي.. حبك لله ولرسوله ولآل بيته وصحبه الكرام، حبك لكتابه العزيز، حبك حتى لوالديك ولذريتك! ..
مصداق ذلك قول ابن عباس في تفسير آية "وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّیَّتُهُم بِإِیمَـٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ"
وهذا فضل الله على الأبناء ببركة عمل الآباء، أما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فمصداقه حديث أبي هريرة عن رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ" .. وحديث انقطاع عمل ابن آدم إلا من ثلاث منهن الولد الصالح الذي يدعو له ..
هذا الحديث يؤرقني كثيرا، أفكر دومًا كيف أكون هذا الولد الصالح، ليس لأجلي فحسب، بل لأجل والديّ! أدرك جيدًا صدق مولانا الرافعي عندما قال أن البنت الصالحة جهادُ أبيها وأمها في هذه الحياة، وأجاهدُ كثيرا كيلا يخيب جهادهما فيَّ.. وكلي أملٌّ أن يرزقني الله ذرية تعمل كي تكون ولدًا صالحا يدعو لي وهكذا دواليك حتى يكون المجتمع كله ساعيًا لصلاح نفسه لا لذواتهم فحسب بل لحبهم آبائهم، فينجيهم حبُهم..
-
زهرة الوهيديأكتب... لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا” رضـوى عاشور :)