لكل منا شغفه في الحياة ، الذي يجعله متمسكا مثابرا محاولا الوصول يوما ما إليه ، هناك من لم يبدأ بعد المعركة ، هناك من يجازف للوصول، و هناك بالفعل من قد وصل .
شغفي امتدت جذوره للطفولة، كنت أحب دور الأمومة ، لأني مفعمة بالحب و الحنان ، كانت لي دمية حينها بقدر قامتي ، أحملها على ظهري أمارس الأمومة لها، طال ذاك الحب الأفلاطوني للأم و الأمومة إلى أن لقيت توأمي في الحياة ، تزوجنا ، بدأت أنتظر أن أصبح أما لأني وأخيرا اقتربت من حلمي ،في الصباح أعشق شرب القهوة ، أمسك الكوب في يدي و سرعان ما أتذكر أنني ربما أكون حاملا في الأيام الأولى من الحمل و أضر جنيني ثم أبعدها من أمامي ، أشتهي للغذاء أكلات خفيفة لكني أخاف لو كنت حاملا أضر جنيني ، و في الليل لا أنام من كثرة تفكيري في حياتي بعد أن أرزق بطفل ، و الحمد لله ها قد أتى موعد دورتي الشهرية ، لقد تأخرت ، ربما أنا حامل؟ أشتري بعدها اختبار حمل منزلي ،ثم لا أجد إلا علامة واحدة حمراء ، أذهب لمكان مضيء ربما لم أرى جيدا العلامة الثانية ، فلا أجد شيءا ، في اليوم الموالي تأتي الدورة ، خيبة أمل ، حزن و ألم في صدري ،أختنق ، ثم توالت الأيام و الشهور و الأعوام و أنا على نفس الحال .
لقد قررت أن أتجه لمن يبيعني أملا ، و بالفعل وجدت طبيبة تعاملك كزبون و ليس كمريض ، في كل حصة كنت أدفع النقود لأستمتع بالجلوس قرب أمهات المستقبل ، يا لسعادتي حينها ربما اليوم أو غذا بمساعدة الدكتورة و بإذن الله سأصبح أما عما قريب ، و حين تعاينني في كل حصة تبيعني أملا ، طالت الشهور و بدون جدوى ، و أخيرا لقد فكرت طبيبتي في أن تحرك شعرة من العجين لمعالجتي ، لتخبرني بعدها أني أحتاج للقيام بعملية جراحية بعدها أستطيع الإنجاب ، وافقت بلا تردد ، لأني أهب عيني في سبيل الأمومة .
و جاء يوم العملية ، خوف و تردد كان يمحوهما أمل كبير ، جازفت بحياتي ، و بعدها أستيقظ على صوت دكتورتي تناديني و هي تطبطب على خذي "فاطمة الزهراء أتسمعينني افتحي عينيك ولا ترعبينني" ،استيقظت و نظرت فإذا بالممرضات حولي يسعفنني ، ارتفعت حرارة جسمي لأقصاها.
و بعد مدة من الزمن بدأ المخدر يزول رويدا رويدا و الألم يزداد شيئا فشيئا، أخذوني لغرفة من غرف مشفى "الأمومة"،إسم على مسمى لأنه خاص بالإنجاب، كل غرفة بها أم و طفلها و عائلتها في غاية السعادة ، إلا غرفتي كنت أنا وحدي أنتظر زوجي أن يحضر أمي و المسكين يجري هنا و هناك و الحزن بارز على محياه، لم تغادرني نظرته لي قط .
و حين أتت الطبيبة فإذا بها تخبرني أنني كنت حاملا حملا خارج الرحم ، تسبب في إلحاق الضرر بقناة من قنوات فالوب استدعت بعد ذلك لإزالتها ، فرحة و حزن في الآن نفسه ، فرحت لأن الحمل خارج الرحم عبارة عن بصيص أمل لي ، و تألمت بعد سماع أنه لم يتبقى لي إلا احتمال 50٪ لحلم أمومتي .
و جاء وقت مغادرتي المشفى ، حمل زوجي أمتعتي ، أمسك بيدي ، ودعت زميلتي في الغرفة و هنأتها بمولودتها ثم واصلت الخروج و أنا أناظر الغرف المليئة بالمواليد ، و أسمع الزغاريد و تجمع العائلات حول المولود فرحين ، إلى أن غادرت المشفى خالية الوفاض ، تجرعت الألم حينها ،لأن كل نساء المشفى تألمن لكن ألم له غاية ، مولودهن أنساهن الألم ، لكني تألمت دون جدوى ، لا طفل لي يضع الضماد على جروحي البارزة .
في ذلك اليوم لم أغادر المشفى فقط بل غادرت حلمي و أملي ، و تركت نفسي و روحي هناك ، و بعدها تمسكت بأهداف أخرى سعيت إليها بروح مكسورة ، منذ ذاك اليوم و أنا أتظاهر القوة و السعادة ، أحاول عدم التفكير في الموضوع ، لكني كلما حاولت تجاهل ألمي ، كساني حتى ما عدت قادرة على انتشال بقاياي من وسط هذا الحطام.
شاركتكم جزءا من قصتي ، لعل أم واحدة استطاعت قراءة معاناتي مع الأمومة لتعرف أن طفلها هو طموح و شغف العديد من النساء أمثالي ، إلا أن الله اختاركي أنت لتكوني أما فإما أن تكوني أما بما تحمل الكلمة من معنى أو لا تقرري الإنجاب البتة ، أحسني الصنيع لطفلك ، أنت من ستصنع لنا جيل المستقبل ، فاصنعي جيلا ناجحا، طموحا، واعيا ،حنونا، رقيقا و خلوقا ، ربما سأرافقك المشوار يوما ما أو قد لا يتسنى لي في الحياة ذلك لكني أريد أن أخبركي الآن أنكي محظوظة حازت جوهرة ثمينة فاحرصي على ألا تضيع منكي...
-
"البمكلاوي"ليس لي مؤنس في الحياة سوى قلمي ، به أستطيع التعبير عن ألمي ، لمعرفتي جيدا يكفي دخولك لعالمي.