اغتيال الموسيقى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اغتيال الموسيقى

  نشر في 12 يناير 2018 .

كان حر المدينة على أشده،

خرجت من كوت عبدالله متجهًا إلى الكواخة؛ كنت آنئذ ابن الثامنة عشرة.

رفعت يدي مؤشرًا إلى السيارة القادمة، فوقفت أمامي وركبت؛

كان يومًا مكفهرًا، طلبت من السائق أن يشغل المسجل لنستمع إلى أغنية ما؛

قال ونظره يراقب الجادة من المارين:

إن جهاز المسجل تعطل اليوم، ولا يفر الأشرطة بتاتا!

رجوته أن يناولني شريطا لعل حظي يشغلها فتخرجنا من هذا الجو المتعب وتنسينا بعض هموم اليوم.

مد يده تحت كرسيه وناولني ثلاثة أشرطة.

وضعت الشريط في المسجل وحاولت أن أشغله،

بدا وكأنه ميت، امتحنت الشريط الثاني والثالث، وعبثا ما حاولت؛ يبدو أنه بحاجة إلى تصليح كامل.

فوضعت الأشرطة أمام السائق على لوحة العداد.

ونسي أن يرجعها إلى مكانها، حيث كانت مخبأة تحت كرسيه.

والكل يعلم أن الحكومة الإيرانية كانت قد حرمت الموسيقى، سوى الأناشيد الدينية وتلك التي كانوا يسمونها ثورية.

وصلنا إلى حاجز تفتيش، وحاول السائق أن يخبئ الأشرطة، لكن أحدهم رآه.

أمرونا أن نترجل من السيارة، ثم بدؤوا يفتشونها حتى أخرجوا الأشرطة المغناطيسية جميعها.

ولولا الأشرطة الثلاثة التي نسي السائق أن يخبئها، لمررنا بسلام.

قال السائق والاضطراب بائن على ملامحه:

إنها أشرطة مآتم ولطم، وبعضها أناشيد الثورة الإسلامية؛ ثم إن جهاز المسجل معطل.

حدج مسؤولهم السائق بارتياب ثم قال:

سأمتحن المسجل والأشرطة، فإن كانت كما تدعي، تمرقون دون أن تتعرضوا لأي أذى، وإلا سأدمرها على رأسك!

نظر السائق نحوي وهمس مبتسمًا: الحمد لله أن المسجل معطل.

ودخل رئيسهم في السيارة ووضع الشريط في المسجل وضغط على زر التشغيل؛

وإذا بصوت عبدالأمير دريس يصدح عاليًا:

(مرمرني الصبر والشوق مرمرني)!

نظر الرئيس إلى السائق شزرا وقال: لابد أن هذا صوت (آهنكران)؟! (وكان آهنكران منشد الثورة آنذاك).

ثم وضع الشريط الثاني وكان صوت سميرة توفيق والثالث داخل حسن وهلم جرا.

نزل الرئيس والشرر يتطاير من عينيه، أحضر صخرة – ولم يعر اهتمامًا لرجاء السائق - وأمام أعيننا دمر الأشرطة كلها.

ومن يجرؤ على الاعتراض؟!

ثم دفع السائق نحو سيارته قائلا: انقلع أيها الكذاب المنافق! ترتكب الذنوب في وضح النهار، ولا تستحي.

سرنا والحزن رائن على وجه السائق، والامتعاض جلي على وجهي.

قلت أكلم نفسي:

إن لم يكن هذا، التحجر بعينه؛ فماذا عسى التحجر أن يكون؟!

وساد السكوت بيننا إلى أن بلغنا الكواخة.

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز




  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 12 يناير 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا