معوقات حوار الثقافات : بقلم إحسان طالب
الاستعلاء و تغيير الآخر بالضرورة
نشر في 23 أبريل 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في خضم الصراع تتعالى الأصوات العاقلة و الحكيمة داعية للحوار و الاستماع إلى نداء القيم الإنسانية السامية التي تشكل جوهرا و لبا تدور في فلكه الغايات و الأهداف النبيلة لكل الأديان و الأيديولوجيات، و تقف دون ذلك معوقات و عقبات تحول دون الوصول إلى حلول نهائية أو مرحلية تشكل ضمانة لمنع تجدد المواجهات و التحديات .
الاستعلاء و جذور الصراع :
تتباين نظرة التعالي و التفوق بين الشرق و الغرب ففي حين يرى أهل الشرق بان تفوقهم قائم على أسس مقدسة و ارث حضاري موغل في القدم يرى الغرب بان تفوقه قائم على أساس التقدم الحضاري و السياسي و الإنجاز العلمي و التكنولوجي خلال العصور الحديثة، و مابين الماضي المقدس و الحاضر المتقدم تغدو مدعوات الحوار و التلاقي صرخة في واد لا يستمع لها إلا أصحابها أو المنادون بها .
ومن الممكن ملاحظة طبيعة الصراع الحالي القائم بين الشرق و الغرب على أسس فكرية و ثقافية وأيديولوجية أكثر من أي وقت مضى ، و إذا كانت المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية للغرب تلزمه بالتواصل و التحاور مع الآخرين؛ فان التناطح الأيديولوجي بين الأفكار و العقائد و الأديان ما فتئ يؤجج الخلاف و يثير التناحر و التصادم . بأشكال و صور متفاوتة الشدة تخبو حينا وتتأزم أحيانا أخرى لتصل إلى حافة الصرع الدموي في مناسبات عدة.
لقد جاءت التصريحات الأخيرة للبابا بندكتوس(* ) لتصب الزيت على أوار نار مشتعلة أصلا لتأكد من جديد على سوء الفهم و البعد عن منطق الحوار و الجدال بالحسنى بين الحضارات و الثقافات ، و بالمقابل كانت ردود الفعل العربية و الإسلامية هي الأخرى متطرفة و بعيدة عن منطق تبادل النقد و التصحيح ، رغم ما يكتنفها من إحساس بالظلم و الهيمنة و الاستعلاء الغربي .
و يرجع كثير من العرب و المسلمين أسباب الصراع الدائر حاليا إلى و جود دولة إسرائيل في المنطقة العربية و ما يستتبع ذلك الوجود من انحياز و دعم مطلق لها من قبل الغرب الذي اعتبر أمنها و استمرارها أولى مهماته وواجبا ته ،وهو بالمقابل يعتبر هزيمة الطرف المعادي لوجودها هدفا استراتيجيا تهون قبالته سفك الدماء و كسر الشعوب و الدول ، و إذا كان هذا الطرح لا يخلو من الحقيقة فانه لا يحتويها كلها و لا يحيط بجذور و كامل المسببات و الوقائع .
فالصراع بين العالم العربي والإسلامي و العالم الغربي المسيحي لم يكن و ليد القرن العشرين بل هو جنين ولد مع أول انتشار للإسلام خارج حدود الجزيرة العربية، عبر غزوة مؤتة التي شكلت أول تهديد حقيقي لسيادة الدولة المسيحية على الشرق العربي خارج موطنهم الأصلي، و استمر الصراع عبر قرون طويلة و تمكن المسلمون من غزو الغرب في عقر داره و احتلوا دولة من دوله، و مكثوا فيها ما يزيد على الخمسة قرون، ثم خرجوا منها في حروب مضادة حملت جيوش الغرب المسيحي نحو الشرق في حروب صليبية توقفت لكنها لم تنتهي.
إن الاستفزاز العدائي المستمر و المتبادل بين العرب و الغرب يتسبب في إقصاء الحوار و إحلال الصراع الدامي، الذي تكوى بناره الحضارة و المدنيّة أينما و جدت و حيثما حلت ، و ليس عصي على أي باحث ملاحظة مدى انتشار التطرف الفكري و العودة إلى الانغلاق الأيديولوجي في أوساط الرأي العام العالمي عموما و الإسلامي خصوصا و ذلك يفسر و لا يبرر ردود الأفعال الدامية على الخلافات الدينية و الثقافية .
تتسم طبيعة التفكير الديني عموما خلال التحاور و النقاش بالدوران و الالتفاف حول القضايا الجوهرية؛ بما يتيح الفرصة للبعد عن الخوص في غمار مسائل لا مجال للتنازل أو التغير فيها ، حيث يحمل الاعتقاد الأيديولوجي قوقعة أو ترسا من الثوابت و الأساسيات التي لا مفر من الحفاظ عليها و الدفاع عنها مهما كلف الأمر ، ومن هذا المنطلق فان موضوع حوار الأديان بالمفهوم الشامل لمصطلح الدين يغدو غير مجديا ولن يؤدي إلى تحقيق اختراقات توافقية أو نجاحات واضحة المعالم تهيىء الفرصة للتقارب و ردم للهوة بين أصحاب الأديان المختلفة .
إن تقريرنا لهذه الوقائع لا يعني بأي ،حال من الأحوال، وقف الحوار أو وقف السعي نحو إيجاد آليات و إجراءات كفيلة بتحقيق المصالحة و الالتقاء حول نقاط و أهداف يتم التوصل إليها انطلاقا من مفاهيم و قيم إنسانية مشتركة راسخة في الفكر و المعتقد الإنساني بكل تشعيباته و تنوعاته .
أساس الحوار الكف عن الرغبة في تغيير الآخر بالضرورة أو فرض نمط حياة محدد:
يهيمن على التصور الديني عموما للعالم و الإنسان الرغبة و الحاجة الملحة إلى تغيير الآخر و دعوته للانطواء تحت راية واحدة شاملة عامة تامة و كاملة فيها الخير و النجاح و رغد العيش في الدنيا و النجاة و الفردوس في الآخرة ، و تختلط تلك الرغبة مع مفاهيم الهداية و الضلال بحيث تكون الغاية من الحوار و النقاش إيصال الغير إلى جادة النجاة و الفوز المتمثلة في دوغمائية لا تغادر صغيرة و لا كبيرة إلا تناولتها .
و لا ينحصر ذلك التصور في الفكر الإسلامي بل يغادره ليصب في خصم تيارات فكرية قومية و ماركسية تتباين رؤيتها للعالم و الإنسان و تتوحد غايتها و تطلعاتها في لم شمل جميع الكائنات و فق منظومات فكرية و عقائدية مسبقة و ثابتة ، تختص ذاتها بالأفضلية و الخيرية دون غيرها، وتتشابه هنا المعطيات مع رغبة الغرب الرأسمالي بفرض نمط حياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأساليب معاشه الخاصة على الدول والمجتمعات الأخرى شرقية كانت أم غربية .
وهنا نستطيع القول بأن إمكانيات التحاور و التلاقي في خضم تلك التصورات و الرؤى تبدو شاقة، بل أكثر بعدا و أصعب منالا مما يمكن تخيله أو استشفافه . لقد شهد الفكر الديني الإسلامي في العقود الأخيرة تطورا ملحوظا تجلى في مدعوات و مطروحات جديدة و منفتحة استطاعت الحفاظ على روحية و قيم الرسالة السماوية مع فرصة سانحة و متوفرة للقاء الأخر و قبوله بما يحتوي من تنوع و اختلاف، و إذا كان التيار التجديدي و الإصلاحي مازال غير قادر على تعويم نفسه و الوصول إلى قواعد أوسع من المتلقين فان الفرصة تبقى موجودة للمضي قدما في العمل و السعي نحو إحلال فكر و ثقافة إسلامية قوامها احترام الموروث و تبني العقلانية و التسامح و الإقرار بمبادئ حقوق الإنسان ، إن وجود تيار كهذا في أوساط و أجواء الثقافة العربية كفيل بتحقيق التقارب و تخفيف حدة التطرف و الصدام بين الحضارات و الثقافات .
و إذا كانت الدعوة قائمة للتجديد و الإصلاح في الشرق العربي المسلم فإنها أيضا واجبة و مطلوبة في الغرب المسيحي الذي لم يكف عن الاعتقاد و التصور ، النمطي ، بان العرب و المسلمين كتلة واحدة متجانسة يجمعها نفي العقل و تبني التطرف , إن هذا الاعتقاد القديم و الخاطئ تسبب في العديد من الصدامات و الأزمات كما انه قابل للتسبب في المزيد ما لم يتم توفر إرادة، حقيقة في الفهم السليم و الحوار العقلي المنهج . و إذا كنا نتطلع إلى تغير في تصورات و قنا عات الآخرين فانه ينبغي علينا البدء من الداخل بالنقد و المراجعة و نقض لأفكار تعادي العقل و تتبني العنف و التطرف و إزالة أو هداية الأخر بصرف النظر عن إمكانية اعتبار الإنسان كائنا له الحق في حرية الفكر و الاعتقاد .
* الكلام المشار إليه كان للباباالسابق البابا بنديكس السادس عشر يوم 12 سبتمبر 2006
"إن العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، لكن العقيدة الإسلامية تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق".
واستشهد في كلمته بمقتطف من كتاب إمبراطور بيزنطي يقول فيه: "إن محمدا (عليه الصلاة والسلام) لم يأت إلا بما هو سيئ، وغير إنساني، كأمره بنشر الإسلام بحد السيف"، على حد افترائه وزعمه. كما انتقد البابا ما سماه "الجهاد واعتناق الدين عن طريق العنف".)
-
Ehsan Talebاحسان طالب كاتب وباحث في الدراسات الإسلامية من دمشق ، سوريا. مواليد 1956 ولد في عائلة مسلمة تلقى تعليما متعدد التوجهات والده هو الشيخ بهجت طالب ، كان واحدا من أئمة المساجد الشهيرة في دمشق في مرحلة المراهقة المبكرة ، تعلم ا ...