عصرنا هذا عصرٌ عجيبٌ في جميع نواحيه، فكأنما وجد الناس ثغرة تريهم العصور المقبلة بأوضح صورة، فلم يكتفوا بالمشاهدة بل طمع كل من رجال الفكر وأصحاب الصنائع وأتباع الأهواء أن ينتهبوا منها بدائع الأراء وعجائب الصنائع وغرائب الأفعال حتى نظن بأن العلماء لم يتركوا لنا فرصة لننسب بعض الأمور التي نعجز عن فعلها إلى الجن الذين هان شأنهم وذل سلطانهم في نفوس أهل الغرب وأهل الشرق، بل بعضهم بالغ في ذلك فنسب وجودهم إلى العدم، وهذا المنطق ليس غريبا علينا لأن في عُرف علماء الطبيعة في هذا العصر ما غُيب عن الأبصار يجب أن يضاف لقائمة الترهات والأوهام.
وتطرّف وغالى رجال العقل حتى صرخوا صرخة مدوية إلى نزع الملابس الملاصقة للجلود، فذلك من أشد الأسباب المتممة للتقدم والنهوض، فثقل الملابس يعيق العقل عن التفكير اللامحدود، والتغافل عن هذه المسألة الخطيرة سيبقينا في طور التخلف سنينا وعقودا.
وصخب أصحاب الأهواء إلى ملاحقة الحب والغرام بكل ما يستطيعه المرء من جهد وجهاد، فأمعنوا في النبش والتفتيش حتى أعلنوا عن تلك الحقيقة التي غابت عن البشر أزمانا طوال، بأن الرجل قد يستهويه ويسلب لبه جمال رجل مثله فيقوده ذلك إلى الحب والهيام الذي لم يجده عند فتاة بارعة الحسن ورائعة الجمال، فغضبت النساء من هذا التفضيل الذي يقلل من مكانتهن في عالم الجمال، فكيف يفوق حسن الرجل حسنها، فأعلنت بأن النساء للنساء وليذهب الرجال إلى الجحيم، فبدأت أقذر جماعة يتخيلها عقل الإنسان، وهم مع ذلك لا يكتفون بحياتهم النتنة صامتين بل يجب على العالم أجمع أن يؤمن بأنهم على صواب وأن هذه النزعة الشاذة متأصلة في الأنفس، وهذا إسراف في إرسال النفس ناحية هذه الأقذار النتنة والتوغل في هذه الأمراض الدنيئة، ثم يلح ويسعى هؤلاء المأفونين إلى الافصاح عن هذه المقابح بفخر واعتزاز شأنها شأن الأبحاث العلمية التي تنقل معيشة الإنسان من ضيق إلى سعة.
نسأل الله السلامة وحسن الختام.