في غرفة العلية المظلمة...
جلستْ لوحدها وهي تبكي بحُرقة..
حزينة, وحيدة, مظلومة... هكذا كانت سندريلا..
لقد ذهبَتْ زوجة أبيها وابنتَيْها إلى حفل الأمير تشارمينج ومنَعنَها من القدوم معهن!
بعد قليل سيأتي الفرج على شكل الجنيّة الطيبة التي ستَكسيها وتمنحها عربة فخمة بسائقين وأربعة خيول. وبما أنه لا يوجد شيء ببلاش أو أنه كلّ قوة لمخلوق تتناقص مع الزمن, فإنّ الساحرة أو الجنيّة الطيبة تشترط عليها العودة قبل الثانية عشرة وإلا فإنّ كل شيء سيختفي وترجع سندريلا المسكينة إلى حقيقة مظهرها.
السؤال الأول:
لماذا لم تتصرف سندريلا لوحدها وتذهب إلى الحفل رغم أنف الجميع؟! كان بإمكانها وبكل بساطة أن تقتحم غرفة زوجة أبيها أو أختيْها وتأخذ فستان جميل من عشرات الفساتين المعلقة لديهنّ. ثمّ تؤجر عربة وتذهب إلى الحفل. صحيح ستصل متأخرة ولكنّها ستكون هناك وسترى الأمير الوسيم وترقص وتأكل أطيب المأكولات.
السؤال الثاني:
لماذا لم تُصارح سندريلا الأمير بحقيقة أمرها. أتخيّل نفسي أو أيّ بنت أخرى مظلومة ومقموعة وهي تُخبر تشارمينج بكلّ قصّتها وتستغل فرصة انجذابه لها لتخرج مما هي فيه من حياة قاسية.
السؤال الثالث والأهم:
ماذا لو لم تظهر الجنيّة الطيبة في الصورة؟ تماما كما يحدث معنا في الواقع.
أريد أن أصل إلى إجابات عن هذه الأسئلة, لذا سأغمضُ عينيّ وأتخيّل معكم سندريلا, المرأة القوية الواثقة, التي تأخذ حقها بيدها ولا تنتظر قدوم الجنيّات الحنونات.
الحل الأول:
طرد الدخلاء من بيتها.
البيت الذي تركه والدها بما فيه هو حقّها الشرعي وليس لابنتيْ زوجة أبيها, وكما نعرف فهنّ لسن بأخواتها لأنهنّ بنات رجل آخر. إذا لا بد من اللجوء للقضاء أو أحد أصدقاء أبيها لمساعدتها على ذلك.
الحل الثاني:
رفض الواقع الأليم الذي تعيشه, والاستقلال بحياتها بعيدا عنهن. أي اتباع سياسة ترك الجمل بما حمَل. وهذا بالطبع يتطلب شخصية مثابرة وصبورة وقوية لأن بدء الحياة من تحت الصفر لا يصلح إلا للنفوس الجبارة الواثقة, لا النفوس الواهنة الحائرة.
الحل الثالث -وهي الأسهل في نظري- :
التمرد.
ببساطة, أن تقول لا للعمل كخادمة. لا للبس الرث من الثياب. لا لقبول الاعتداء اللفظي والجسدي. نعم للمعاملة بالمِثل, نعم لمقولة "عِزّ نفسك تجدها", ونعم كبيرة مؤيدة للمثل البلغاري القائل: "تُباع جلود الحِملان في السوق أكثر من جلود الذئاب."
لو تحوّلت سندريلا إلى هذا الشكل الجديد فإنّها ستُعطي درسا قيّما لطِفلات اليوم, ونساء المستقبل, عن القوة والثقة والعزة ورفض الواقع المرير والانطلاق نحو واقع أفضل. ودرسا رائعا لطِفل اليوم, ورجل المستقبل, عن المرأة كما يجب أن تكون, وبذلك نُلغي من عقله صورة المرأة الضعيفة المنكسرة التي يعتقد الكثير من الرجال أنها مجرد ظلّ له.
هكذا ومع الوقت, سيختفي يوم المرأة العالمي. فلن يحتاج الناس ليوم يُذكّرهُم بحقوق المرأة وقيمتها.
تركتْ حياتها في البحر وتبنّتْ حياة أخرى..
تركتْ هويّتها كحوريّة لتحصل على هويّة آدمية زائفة لا تمثّلها..
ومن أجل إنسان لا يُبادلها الحب.. ضحّتْ بحياتها!
أعتقد أنكم عرفتم بأني أُشير إلى قصة حورية البحر, أو كما أطلقتْ عليها ديزني اسم, آرييل.
صحيح أنّ ديزني غيّرت من نهاية القصة الحزينة لتُلائم الأطفال, وبدلا من أن تموت الحورية في نهاية المطاف وتتحوّل إلى فقاعات في البحر, فإنّها تتزوّج من الأمير كلارك وتعيش فوق الماء لا تحته. ولكن معظمنا يعرف القصة الحقيقية بنُسختها الحزينة, والتي كتبها مؤلف قصص الأطفال الدنماركي هانز أنديرسون منذ حوالي 180 سنة.
يا حورية البحر المسكينة الطيبة. ألا تعلمين أنّك شغلتِ بني البشر لمئات السنين!؟ لا تخلو من وجودك القصص الأسطورية والحكايات الشعبية. ولا يخلو من وجودك عالم الأطفال بما فيه من ألوان وقصص ورسوم متحركة ودمىً. ولا يخلو من وجودك أيضا مرسم أيّ فنان حالم. فلماذا كلّ هذا الإصرار على رفض واقعك الذي خُلِقتِ عليه! ولماذا نعلّم أطفالنا أنّ جنس البشر هو أفضل الأجناس وهو الحلم الوردي الذي يتوق له كلّ مخلوق آخر بما فيه حوريّات البحر.
ألم يكن بمقدور آرييل أن تكون حورية بحر سعيدة وناجحة ومشهورة وتعيش الثلاثمائة عام التي تعيشها كلّ الحوريات وهي تطوّر وتُحسّن عالم البحار, بل وتجوب القارات وتتعرف على المخلوقات العديدة. ثمّ تقع في حبّ حوريّ بحر وسيم وتعيش بسعادة مع عائلتها حتى نهاية دورة حياتها!
وماذا بالنسبة لهذا الحب السلبي المبتور. لماذا اختارتْ البقاء في معاناة دائمة قتلَتْها تدريجيّا. ففي البداية تخلّتْ عن صوتها لأجله ثمّ شربتْ من الدواء الذي أعطاها قدميْن كالبشر وعانتْ آلاما كثيرة إلى أن تعلّمت المشي والرقص. إنّ الأمير في القصة الحقيقية لم يشعر بها على الإطلاق وأصبحت بالنسبة له أحد أفراد حاشيته المقربين الذين يتسلّى بوجودهم. إذا هل نتعلم من موقفها هذا أن نتنازل باستمرار ونقدّم التضحيات المدمرة لأشخاص لا يحملون لنا ذرة من التقدير أو الحب!
أنا أشعر بالغضب من هذه الصورة الناقصة للأنثى في القصص, حتى وإن كانت خيالية. فما الواقع إلا نهر هارب من محيط الخيال. أريد أن أرى الأنثى البطلة في القصص والتي لا تنتظر الرجل ليُخلّصها من محنتها. أريد أن يكون الرجل حبّا وليس حلّا!
ربما هذا ما أحب انتهاجه في كتاباتي القصصية وخاصة القادم منها. أريد بطلة قوية مستقلة واثقة من نفسها متمردة وعاشقة.
-
نور جاسماسمي نور. عراقية الأصل, أردنية المنشأ, أمريكية الإقامة, وهذا ساعدني كثيرا في التعرف على الثقافات المختلفة وإقامة الصداقات من كل مكان في العالم. أحب الكتابة/ أحلام اليقظة/الرسم/ السفر/ التمثيل/ الغناء/ الأفلام/ التأمل/ وال ...