هنالك طرفة سودانية من نسج الخيال تحكي عن رجل ولد أعمى وعاش ردحاً من الزمان فاقداً لبصره ، ثم ردَّ الله إليه بصره لثواني قليلة فقط ، ثم فقد بصره مرة أخرى ، وفي تلك الثواني القليلة رأى ذلك الأعمى فأراً يجري من أمامه ، وكان ذلك الفأر هو الشئ الوحيد الذي رآه في حياته ، فصار عندما يتحدث الناس أمامه عن أن فلاناً مثلاً تزوج بامرأة فائقة الجمال، فيعلق ذلك الأعمى قائلاً : و الله إن تلك الزوجة ليست أجمل من الفأر . وإن قالوا بأن فلاناً اشترى سيارة فارهة، فيرد عليهم ذلك الأعمى معارضاً : والله إن سيارته تلك ليست أجمل من الفأر . فعاش ذلك الرجل الأعمى بقية حياته كلها يقارن كل مالم يره بالشئ الوحيد الذي رآه طوال حياته وهو الفأر .

إن هذه الطرفة تذكرني بذلك الأخ العربي المسلم الذي نسأل الله أن يتوب عليه على قذفه لأعراض حرائر المغرب الفضليات وجرحه لمشاعرهن ، عبر بثه لتسجيلٍ شرَّق وغرَّب في مواقع التواصل الاجتماعي في الشهور الماضية، ولقد كان محتوى ذلك التسجيل طعناً في أعراض المغربيات ! والذي يبدو لي أن ذلك الشاب ربما يكون قد ذهب للمغرب بغرض الفساد، والفساد موجود في كل مكان، والذين يسافرون لأي بلد لغرضٍ ما يكون انطباعهم عن ذلك البلد حسب الغرض الذي سافروا من أجله، فإنك لو سألت سائحاً أوربياً أو أمريكياً كان قد زار المغرب عن انطباعه، فإنه سوف يحدثك عن جمال الطبيعة بمدينة إفران ، و عن مباني مدينة تطوان الجميلة ذات الطراز الأندلسي ، و عن قدم وعراقة مدينة فاس التاريخية ، و عن عبق مسجد حسَّان بالرباط ، و عن صفاء الجو بمدينة أغادير الساحلية الساحرة، و غيرها من المناطق التاريخية والسياحية الجميلة هنالك، أما الذي يذهب إليها بغرض الفساد و اللهو فإن انطباعه سيكون حسب الغرض الذي ذهب من أجله ، فيحسب ذلك الفاسد أن كل السواح ما جاءوا إلا لنفس غرضه و غرض أمثاله ! و إن ذلك البلد لا مكان فيه للخير قط ، و لأن عقله و فكره مملوءان ضعةً و فساداً ، لم يرَ إلا الفساد ! تماماً كذلك الأعمى الذي عاش حياته كلها يقيس فيها كل شئ لم يره بالشئ الوحيد الذي رآه في حياته وهو ذلك الفأر .

وإني لأسأل هذا الأخ المسئ لشرف أخواتنا المغربيات عن الذي لا يعرفه عن فضائل أهل المغرب؟!! "فالمغرب بلد يقطنه ستة و ثلاثون مليون نسمة من الفضلاء والعلماء والنبلاء من الرجال و النساء، فاختصار هذا الشعب في مجموعة صغيرة من أهل المعصية والفساد طريقة يأباها أهل الشهادة والإنصاف، لكن الإنصاف عزيز. ووجود ثمرة فاسدة في بستان زاهٍ لا يعني أن تقطع كل الأشجار. و قبل سنوات قليلة عقدت بالبحرين مسابقة للقرآن الكريم باسم مسابقة القارئ العالمي، فالذي حدث أن أغلب الجوائز حصدها شباب المغرب في أغلب الفروع. وقتها قلت عن هذا المشهد بأنه 'تسنامي مغاربي' و أقولها و أنا متيقن ، بأنه لو رُفع القرآن من صدور أهل المشرق، فلا تخف، فإنك ستجده في قلوب أهل المغرب"(1).

و إذا تحدثنا عن فضائل أهل المغرب قديماً ، فإن دورهم في الجهاد والرباط والفتوحات لا ينكره عاقل. فمن هم الذين نشروا الإسلام في أدغال إفريقيا؟ ومن أوصل الإسلام إلى ربوع أوربا؟. ومن هم الذين أقاموا الخلافة الإسلامية ببلاد الأندلس؟ ثم أعادوها بعد سقوطها على يد المرابطين الأشاوس بقيادة المجاهد البطل يوسف بن تاشفين رحمه الله . و عندما تعجب أحد الفرنجة من بسالة المرابطين وقتذاك، جاءه الرد شعراً يصف بسالة جيش الملثمين:

قوم لهم شرف العلا من حمير

وإذا انتموا صنهاجة فهم هم

لما حووا إحراز كل فضيلة

غلب الحياء عليهم فتلثموا

وفي معرض حديثنا عن فضائل أهل المغرب ، فواجب علينا أيضا أن نذكر فضل علمائها وأنا على ثقة بأن ذلك المسئ لحرائر المغرب لم يسمع بأسمائهم، فضلا أن يكون قد تعلم ممّا خلفوه من علم ثمين ! فأين هو من علم فقيه الإسلام القاضي عياض؟ وهل تعلم من علم النحوي أبي علي القالي، وهل سمع بالفلكي الحسن المراكشي، وابن الطيب الشرقي ، و ابن غازي المكناسي، أو محمد بن إدريس العمراوي ، أو المحدث المفسر ابن رشد السبتي، وهل تعجب من علم شيخ المشايخ تقي الدين الهلالي؟ وهل درس من كتب الحافظ العلامة الكبير عبد الحي الكتاني ، الذي بلغت مؤلفاته أكثر من ٢٥٠ مؤلفاً ! وهل أتى يوماً للمغرب بمدينة تطوان وزاحم طلبة العلم بالركب عند العلامة محمد أمين أبو خبزة رحمه الله ، الذي كان فقده قبل شهور قليلة ثلمة في العالم الإسلامي كله؟ وهل سمع يوماً بمجيزة العلماء الشيخة الشريفة كنزة بنت محمد المهدي الكتانية رحمها الله. وإن لم يحدث منه كل هذا، فهل يا ترى يكون يوماً قد انتفع بعلم شيخ الشباب الشيخ سعيد الكملي الذي ملأ شاشات التلفاز علماً وشعرا وجمالاً ؟!!

وإن أكثر ما أعجبني من دفاع العلماء والدعاة عن المغرب وأهله وعن ذكر فضائله ، ما قاله الشيخ الداعية الحبيب إلى قلبي الشيخ المعاصر حسن الحسيني البحريني الذي قال:

"لو نطق الجدار بالمغرب لنطق حضارة، ولو نطق الحجر لنطق تاريخاً، ولو نطق الورق في المغرب لنطق علماً. وليعلم كل مدعٍ للثقافة والعلم وكل مفاخر بشهادته العلمية أو رتبته الأكاديمية أن في رقبته دين لأهل المغرب"

وهل تعلم أيها المسئ لأهل المغرب أنه من أجل فضائل أهل المغرب أن الله شرفهم وقدر لهم بأن يكونوا هم من نالوا شرف وفادة آل بيت رسول الله ﷺ منذ أن هاجر اليهم حفيد رسول الله ﷺ إدريس الثاني ، و احتمى بجدود أولئك الحرائر اللاتي طعنت في عرضهن.

لقد افترى ذلك الأخ وادعى أن المغرب الشقيق تدخل عليه إيرادات تحويلات أبنائه وبناته بالخارج ما قيمته ستون مليار دولار سنوياً، وادعى أن معظم هذه التحويلات تأتي من أعمال البغاء ! وكذلك ادعى بأن السياحة الداخلية للمغرب تجلب اثني عشر مليار دولار سنوياً معظمها من البغاء. وذلك لأن مفهوم السياحة عنده لا يتجاوز سحابة سرواله. فهل يا ترى يكون ذلك الأخ الظالم على دراية بالأرقام الحقيقية لاقتصاد المغرب؟ وهل يعلم أن دخل المغرب من صادرات الفوسفات فقط كانت 3.1 مليار دولار في عام ٢٠١٩م، وأن مدينة خريبكة الفاتنة تحتل المركز الأول على مستوى الوطن العربي في الثروة المنجمية ويبلغ إحتياطي الفوسفات لديها 37.35 مليار طن. وهل يعلم أن صادرات المغرب من الأسمدة كانت 1.73 مليار دولار من إجمالي الصادرات التي كانت 17.4 مليار دولار في عام ٢٠١٩م، وهل يعلم بأن الله بارك لأهل المغرب في ذهبهم وزيتونهم فارتفعت نسبة صادراتهم من الذهب إلى 118% محصلة 177 مليون درهم في عام 2018م، كما أن نسبة صادراتهم من زيت الزيتون ارتفعت بنسبة 55% لعام 2018م، علماً بأن المغرب يعتبر سادس مصدر لزيت الزيتون في العالم. أما الحقيقة التي ربما تكون صادمة لذلك الأخ المسئ لأهل المغرب فهي أن المغرب يعتبر الأول أفريقياً في صناعة السيارات، وكان قد ارتفع إنتاج السيارات بالمغرب بمنٍ و كرمٍ من الله سبحانه وتعالى بنسبة 800% خلال الثماني سنوات الماضية. علماً بأن الأيدي العاملة التي تحرك هذا الاقتصاد المتنامي عبارة عن عمالة مغربية صرفة، حيث أن المغرب ليست لديهم عمالة خارجية فهم الذين بنوا و مازالوا يبنون وطنهم بأنفسهم بقيادة مليكهم المفدى الذي يحبهم ويحبونه. وقبل ذلك كله فإن المغرب به خيرة نساء المسلمين واللاتي من الزبرجد معدنهن، ولقد اشتهرن بين نساء العالم بحسن تبعلهن ، وذلك لتقديرهن الفائق لأزواجهن ، و لرقتهن ، و لبساطتهن و سهولة التعامل معهن ، و فوق ذلك لجمالهن الفتان ! ولمقدرتهن الفائقة في أعداد الولائم الشهية بنكهة الكُسكس والحريرة والملوي المعمر وغير المعمر، وقبل ذلك كله بنكهة المحبة وصفو الوداد وطيب المعشر. سمات ساهمت في امتداد أواصر النسب بين أهل المغرب مع العديد من الشعوب المسلمة.

إن أمثال أولئك الذين يُقيِّمونَ الشعوب فقط بأماكن الفساد فيها هم عُمي البصيرة، ولا ينظرون للخير الكثير بتلك البلاد، ذلك الخير المتمثل في حفيدات يوسف بن تاشفين والخطابي ، و الكتاني وعلال الفاسي رحمهم الله أجمعين. و أجزم بأن هؤلاء المسيئون لحرائر المغرب لا يمثلون بلادهم ولا حتى آباءهم، فقد يكونوا تربوا على الخير كله ولكنهم فسدوا من عند أنفسهم، تماماً كقصة نبي الله نوح عليه السلام الذي لم يقصر في تربية ابنه الذي ارتكب أكبر جريمة عرفتها البشرية ألا وهي الشرك - أعاذنا الله وإياكم منه - و لذلك فإن الأخ الذي طعن في عرض حرائر المغرب لا يمثل إلا قذارة نفسه، هو ومن كان على شاكلته ممن يسافرون لبلاد المغرب وينظرون بعينٍ واحدة، وتغفل عينهم الثانية عن مفاخر حرائر المغرب من أمثال الأخت المغربية الفاضلة حسناء خولالي الحاصلة على المركز الأول في المسابقة العالمية لتجويد القرآن، و غيرهن الكثيرات من العفيفات القانتات العابدات. ولربما لا يعلم ذلك المسئ أن أول جامعة بالعالم، وهي جامعة القرويين بمدينة فاس كانت قد بنتها امرأة مغربية اسمها فاطمة الفهرية في عام ٨٤١م.

والجدير بالذكر أن السياحة ليست المقصد الوحيد لمن يزورون المغرب حيث إن كثيراً من الوافدين يأتون إليه من أجل الاستثمار، فالإمارات العربية المتحدة الشقيقة مثلاً تعتبر الأولى عربياً والرابعة دولياً بين الدول المستثمرة في المغرب، ولقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية في المغرب بنسبة 56.7% على أساس سنوي خلال الربع الأول من عام ٢٠١٩م. أما من ناحية السياحة، فإني لأتخذ هذه السانحة متكأ لكي أنصح أولئك السواح من العرب، بل من المسلمين جميعهم الذين يقضون إجازاتهم الصيفية ببلاد الغرب التي امتلأت بتلك المباني الزجاجية والخرسانية الكئيبة، أنصحهم بأن يتوجهوا للمغرب الحبيب لكي ينعموا بجمال طبيعتها الخلابة، ومدنها التاريخية التي تحكي عن عراقة أهلها وأصالتهم قديماً وحديثاً، وها هو الشاعر السعودي إبراهيم خفاجي رحمه الله ، الذي كان متيماً ببلاد المغرب يناديكم بأن هلموا لأرض الحضارة و التاريخ والجمال قائلاً :

ودع اليأس وسافر واغربي

واشتري الحسن بأرض المغربِ

وأغتنمها فرصة يا صاحبي

وامتع القلب بعيش طيبِ

وامتع النفس بنيل المطلبِ

فتنة الغرب وأصلُ العربِ

دارها البيضاء فردوس الدُنى

هي مهوى الغيد للمستعذب

كم على الأطلس في عالي الذرى

قد لهونا باصطياد الشُهبِ

وأريج الزهر في ساحاتها

مزج المسكَ بطيب العُشبِ

وبمكناس لنا فيها رؤى

سهرُ الليل وشطحُ اللعب

وبفاس العز في أثارها

عِشتُ بالتاريخ عبر الحُقُبِ

وعلى طنجة غازلنا الهوى

في أصيل كانسكاب الذهب

وتجلى الفجرُ في فيروزها

فتنادى وُرقُها للطرب

يا لنفسي قد لقت صبوَتَها في

رباط الحسن قيد الطلب

وصفاءُ العيش في خِلجَانها

قد تعدى وصفَ ما بالكُتبِ

إن في المغرب إخوانٌ لنا

قد تحلوا بسمات الأدبِ

وتعالوا بمليك قدرُهُ

وتساموا بشريف النسبِ

ختاماً أقول:

فإن كان في ردي هذا مافيه الكفاية لجعل هذا الأخ الذي أساء لحرائر المغرب وطعن في عرضهن أن يتوب إلى الله تعالى ، و يعتذر لهن ، فإن المرأة المغربية " بزاف عليَّه"(2) ، وكما سجل ونشر ذلك المقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإني لأدعوه أن يسجل تسجيلاً مماثلاً يكون فيه اعتذار لحرائر المغرب، ولشعب المغرب بصورة عامة، فإن الاعتراف بالذنب فضيلة، والاعتذار من صفات الرجولة. وإن لم يفعل فهاهن نساء المغرب الفضليات يرددن عليه وهن مفتخرات بأصلهن و بشرفهن وبطيبتهن وبعزة أنفسهن قائلات:

مغربية

نفسي عزيزة عليا

مغربية

عايقة ماشي نية

حدك تما(3)

تزيد كلمة

غادي تشوف الوجه الثاني

سير في حالك

ورد بالك

يا وليدي راني راني

سير تعلم

كيف تتكلم

عاد اجي وهدر معايا

راني حرة

بنت حرة

ما نسلم ما نهز الراية

م. حسن زمراوي محمد

سوداني المولد، أمريكي الجنسية، مغربي الهوى

كولومبوس - ولاية أوهايو

الولايات المتحدة الأمريكية

الجمعة ١٨ سبتمبر ٢٠٢٠م

‏IbnZumrawi@gmail.com

__________________________________

(1) بتصرف من كلام طيب للشيخ البحريني حسن الحسيني كان قد بثه على قناته باليوتوب بعنوان "كلمة حق في المغرب".

(2) بزاف عليه: مصطلح بالدارجة المغربية وتعني "صعب المنال".

(3) حدك تما: مصطلح في اللغة الدارجية المغربية وتعني "خليك في حالك".