#الحب_للشجعان_الجبناء_تزوجهم_أمهاتهم
( الأحداث مستوحاة من قصة واقعية )
نشر في 15 نونبر 2016 .
التقينا يوم عيد ميلادي الثالث و العشرين ، و صدفة كان نفسه يوم ميلادها ، جلسنا على رصيف البحر نحن الاثنتان لا تعرف إحدانا الأخرى ، لكل منا قصتها ، قصة تحتفل اليوم بجزء جديد مِنْها وحيدة أمامَ بحْرٍ هادِئ.
كانت شابة مِثْلِي حتى أن ملامِحَها تُشْبهُني كثيرا ،كانت ترْتَدِي ثوبًا أسود و تحْمِل في يَدَيها الصغيرتين مَنْديلًا أبْيضَ تمسَحُ به الدُّموعَ الَّتي تتسَاقَطُ من عينيها البنيتين على وِجْنتيها ، كانت سارِحَة لدرجَةِ أنها لَمْ تنتبِه إِلَي عِندَما جَلسْتُ بالقُرْبِ مِنها. يبدو أنها فتاةٌ من عائلة ميسورة ، جميلة ذات بشرة تميل شيئا ما إلى الصُّفرة ، مَلامِحُها طُفوليَّة بريئة مُتعبَة ، شَيْءٌ ما جذبني إلى الحديثِ معَهَا ، لم أكُن أدْرِك أنَّنَا نتشاركُ أشياءَ أُخرى غَيْرُ المَلامِح . قُلْتُ فِي نفْسِي لابُدَّ مِن و أنها فقَدَتْ شيئا غالياً عليها، لَم أظُنَّ أنَّها فَقَدَت نفْسَها و أنها تبكي نفسها . اقتربت منها أَكثرَ قليلاً و قُلت : السَّبَبُ رجلٌ أليسَ كَذلِك ؟! الْتَفَتت و نظَرَت إلَي بعينيها المحمرتين دونَ النُّطقِِ بكلمة واحدة ثم استدارت، كأنها تخبرني من أنتِ و ما دخلُك؟ أكملت حَديثي قائلة: ولا بد من أنَّهُ شرقِي أليس كذلك ؟! استدارت هذه المَرَّة و نَظرَتْ إلَي باستِغْرابٍ ،متسَائِلةً كيف أدركْتُ ذلك !. نظرت إليها بدوري و قُلْت : هكذا هُمْ رِجالُنا الشَّرقِيُّون و هَكَذا هِي المَرْأَة الشَّرقِيَّة لاَ تُبْكِيهَا أحْلاَمُها بِقَدْرِ ما يبكيها حُبُّ رجلٍ شَرقِي ، بارِعُونَ هُم في نسْج الأساطير و غبيَّاتٌ نحن كِفايَة لِتَصْدِيقِهم ، هم رجالٌ رفِعَتِ الأقلامُ عَنهم وَ جُفَّتِ الصُّحُف ، وَ نَحْنُ نساء حَرامٌ علينا الزلة و الخطأ ، هم تكْوِينُهُم بشَرِّي وَ نَحْنُ تَكوينُنَا ملائِكِي لاَيَسْمَحُ لنا بالخطأ و إلا سيَتم رَجْمُنا أو إسْقَاطُنا مِنْ فَوق ارتفاعٍ شاهقٍ لِنَسْقُط على الأرض جثتا هامدة....
توقَّفْتُ عنِ الكلام ، أمسكتُ يدها ، لَم أُرِد أَن تشعُر أنَها وَحِيدة ( فِي تِلك اللَّحظةِ على الاقل ).استجْمَعَت ضُعْفهَا و مَسَحَت الدمع من عينيها ووَجَّهَت نَظَرَها صَوب البَحْر ،و بَدَأتِ تحكي لِي قصتها :لاَ أَعرِف مَن أنتِ ، و لا اريد ذلِك. اليومَ عيدِ ميلادي الثالِثَ و العِشْرِين ، و اليومَ تَلقَّيتُ هديتي الأخيرةَ من شخصٍ أَحْببتُه حَدَّ الجُنون ، اليوم تُرِكْتُ على رَصيفِ الحَياةِ وحيدةً بِدُونِ شَيء حَتَّى نفْسِي فَقَدْتُها ، لم أعُد أعْرِف مَن أنَا و لا أين اَذهَب و لا مِن أينَ أجيء ، أ إنسانة أنا أم مُجَرَّدُ بقايا ؟!. تَنَهَّدَتْ قَلِيلاً ثُم اكْمَلتْ : انتظَرته طَويلاً حتَّى أن الانتظار أصْبَحَ صَعباً علي جِدا ، انتظرت حَتَّى اهْتَرأَتْ حَياتِي ، لم أكَلَّ أبداً ، انْتَظَرتُهُ إلَى أن ابْتسَمَ لنا القدر أخيرا و عادَتْ أيامي جَميلَةً مِن جَديد ، حصل هو على عمل و اتفقنا على الزواج ما إن أتْمِم أنَا دراستي. أحببته دون أي تَحَفُّظٍ، جَعَلْتُ مِنْه كُلَّ عَالمِي ، أدْخَلتُه حَيَاتِي و رَسَمْتُ دائرة حولنا بِداخِلِها أنا و هو فقط لا أصدقاء و لا أية علاقات أخرى ، لَففتُ حَبلَ المشْنَقةِ حَولَ عنقِي دُونَ أَنْ أَعي ذَلكَ ، ظننت أن قصتنا ستُتَوَّجُ بِنِهَايَة سعيدة و سيتزوج البطلان في النِّهاية ، رمَيْتُ بِنَفْسِي فِي بحر العشق دون أدنى وَسِيلة للنجاة ، غير مكترثة بالعادات و التقاليد ،و مُتَنَاسِيَّة تماما أن الحب في بلادِي تُقَابلُه العادات و التقاليد.....
تَوقَّفَت عَنِ الكَلاَمِ فجأة ، صَمَتَتْ قليلا ثمَّ أكْمَلَت : بعد سبع سنوات مِن الحب و الأحلام و التضحِية ،اختفى، اختفى هَكذا فجأة ، دون عَناءِ شرحِ ما يحْصُل ،حاولت الاتصال به مِرارا لم يُجِب ، توسَّلْتُه في رِسَالة نصية أن يَرُد ، رفض الرد اكتفى ببعث رسالة هَاتِفيَّة يُخبرني فِيها أنَّهُ لَمْ يَعُد يريدني و أنه سَيَعْقِد قِرَانَه قريبا على فتاة اختارَتها لَهُ أمُّه ، فَتاةٌ غيرُ قادرة على قول لا ، لا تحلم بشيء غير الزواج ، فتاة اختارتها له أمه ليتزوجها لأنها في حاجة لمن تساعدها على أشغال البيت ، اختار لنفسه خَادمةً لِأُمِّه وَ زَوجةً لا تتقن شيئا غير الطَّبخِ و الغسيل و الجِنسِ فَقط.جبانٌ لا يملِك قوة الاستمرَار مَع فتاةٍ مِثلِي. انكَسَر قَلْبِي اليَوْم وَ تَقَطَّع إلى أشْلاَء ، شوكة تُغْرَس في صَدْرِي و الدمع مِنْ عَينَاي يَرْفُضُ التَّوَقُف.
انهَارَت و انهمَرَتْ دُمُوعُها فَجأَةً و دُمُوعَي كَذلِك رَغْماً عَنِّي ضَمَمْتُها إلَى صَدْرِي، أَحسَسْتُ بشُعورٍ غَرِيب حِينَها ،وكَأننِّي أمتَصُّ ضُعفَها وِ أَمُدُّها قُوَّتي أَو رُبمَا العكس ، أحسست بنبضاتِ قَلْبِهَا على وشك التوقف.
أَعلَم أَنَّها لن تتوقف عن التفكير و لَنْ يغمض لها جُفْن و أنها ستشعر الليلة أنها وحيدة فِي عالَمٍ غَريب. لاَ أعْلَمُ كم طَالَ سُكُونها على صدرِي إلَى أَن استجمعت ضعفها و شدَّت أزرها و عادت إلى وعيها و نظرت إليَّ قائلة : يجب أن أُغَادِرَ الآن.
نظَرْتُ إليها و أسْرَفْتُ قائلة : أعدك أننا سنلتقي يوما ، أريدك فقط أن تعلمي أن القدر جمعنا اليومَ لسبب . أنا أيضا مِثلُك ، أنثى تخطت العشرين قبل ثلات سنوات بالضبط ، و اليوم عيد ميلادي كذلك ، و القدر أهداني صدفة لقياك ، لكِن قبل المغادرة أريد منك شيئا ، اريدكِ أن تؤمني بكل ما أوتيتِ من قوة أن الآوان لم يفت بعد و لن يفعل ما دام قلبك يدق و مادام الأكسجين يعبر رئتيك و ما دمت تتنفسين هواء هذه الأرض ، أريدُكِ أن تتذكري أن العمر مجرد أرقام مدونة في سجل تواريخ الميلاد ، و أن الوصول للأفضل ليس له سن محددة . امضي في حياتك و لا تنتظري أحدا ، صدقيني أن الحَياة أكثَر من أن تَقف عَلى قدَمي رَجُلٍ شرقِي غبي ، أريدكِ أن تكوني مستعدة للوقوع و أكثر استعدادا للوقوف من جديد و بقوة ، ازرعي كل يوم بذرة من بذور هذه الحياة بداخلك ، كلما ذبلت إحداها نمت مئات غيرها ، و كلما اقتلع أحدهم واحدة ازدهرت أخريات ، دعي الحياة تلُفُّكِ من كلِّ الجهات ، وكلما عصف بكِ ألم و نَزَفْتِ لأجله حَدَّ المَوْت تَماماً كما يَحْدُثُ معك اليوم ستجدين تلك الأزهار متشبثة بِكِ تغمرُكِ فِي أحشائِها الدافئة ، و كل عام و أنا و أنت بخير.
-
BOUTAINA KASSI (بثينة قاسي)بثينة قاسي ، طالبة رياضيات أبلغ من العمر 23 سنة ، أكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني ، أكتب للمرأة و للرجل و للطفل و العجوز ، أكتب لمجتمع تنخر العاهات جسده ، أكتب لنفسي من أجل حياة تنبض بالحياة .