شجر الزيتـــون الذي " يُزَيِّــنُ " شوارع حينا القديــم . غرسه المستعمر الفرنسي. و يقارب عمر كل شجرة اليوم ؛ القرن من الزمن . وبعد خروج الاحتلال المباشـــر، عادت ملكيته الى " المجلس البلــــدي ". هذا الأخير الذي ، إذا ما استثنينا بيـــعه للغلة في المــزاد العلني خلال موسم الزيتون ، لا يبدي أي اهتمــــــــــام يذكر بتلك الأشجار.
كانت الشمس حراقـــــة لما جلسنا على رصيف مقهى " الحومة " أنا وصديقي الفــــلاح " جلول " الذي كنت أعد الشاي وأسأله ؛ أبالنعنــــاع نهيئ شاينا أم نكتفي بنكهته الخالصة " سِيـــكْ " ؟؟
لكن " جلول " هذا الفلاح المقهور كان أمامي شارد الذهن لا يبادلني الحديث . عيناه مسمرتان على شجرة الزيتـــــون التي نستظل بظلها . يتأمل أغصانها ويتفحص زيتونها وهو يدخن بنهم و لا يــــرد بكلمة....
ما بك رفيقي ؟؟
لا ، لا شيء ؛ أنا معك . لا أكاد أصدق عيناي فيما تراه . زيتون وخيرات تتدلى من شجر يطاله الإهمــــال وفقط الطبيعة وحدها ترعاه . أقارن منتوج هذا الشجر الكافر مع ذاك الذي أجنيه من أشجاري التي لا أذخر جهدا في سقيها ومعالجتها وتنقيتها وتشذيبها ...!!!
لماذا يسخر الله للكفــــار في كل شيء ؛ في الفلاحة في الحرب في العلم في السلم في الصناعة والتجارة و الأرزاق ... ؟؟؟
قلت : هم يفرَّقون بين الحقل والمعبد . الكنيسة عندهم للِرّب والدين ، أما الحقـــــل فللعـــقـــل والعلم . يخططون قبل الغرس بأهداف واضحة ، ويدققون بعد ذلك في المنتوج والمأمول . وبعد الدراسة والتمحيص يطورون المحصول ..
أما نحن فنعتمد على الله وحده . والدولة لا تحمينا . نغرس شتلـــة مغشوشـــة من أصلها ، ونُسَمِّدها بسماد مسمـــوم و غير مراقب ونسقيها بدون علم فلاحي ... فتأتي الغلة قليلــــة وشاحبــــة كوجوه المظلومين في البــــــلاد .
وبانفعال وتوتر رد علي : الخزي والعــــار واللعنة على الكفــــار .
قلت : والمجــــد لغَلاَّتِهم ولابتكاراتهم وعلومهم ...
فضرب بكل قوة بأكف الضراعة على الطاولة. فسقط الإبريق الممتلئ أرضا وتكسر الكأسين . وغطت رائحة النعناع الطازج ذاك المكان . وحرمنا من ارتشاف الشاي .
فوقفنا على عجل نتأمل شجرة الزيتون الكافرة المباركة .
ــ عبدالمالك حوزي ــ