الاستيقاظ مبكرا , الصراع مع الجفون حتي تنفتح, التخلي عن الغطاء الناعم و الفراش الاثير , صباح الخير - فلنتفترض أنه خير- أنه يوم جديد ,كم أن هذا مؤلم-أعني الاستيقاظ- بالذات لو كان في الشرق الاوسط و خصوصا مصر .
في بعض الأحيان تحضرني بعض الأفكار و أستغرق في رياضة التأمل و الشرود فأغرق مع الفرضيات الخيالية ولكن هناك فرضية واحدة بالتحديد تلح علي منذ فترة , ماذا لو كانت الحياة في مصر قابلة للبلع ؟!
المقدمات :
منذ أحداث ثورة الخامس و العشرين من يناير و ما تلها و حتي ما سبقها من أضرابات و أعتصامات و الوعي المصري في حالة صدام حادة , فالأب الكبير (مبارك) قد سقط , وسط ذهول من الشعب , من كان يتوقع هذا , فبعيدا عن حسابات الواقع و ما أرتكبه مبارك و حاشيته علي مدار ثلاثة عقود من جرائم فلقد نجح و بأمتياز في تلويث الوعي المصري و و زرع صورة وهمية عن كونه راعي الشعب و حامي أراضي الوطن و الاب الحنون علي المواطن الذي لا حول له و لا قوة , ها هو ذا يترك السلطة تلبية لمطالب المعتصمين , كان تلك النقطة هي أول الغيث أو بتعبير أدق أول صفعة في وجه الوعي المزور. لا أٌقصد هنا عزيزي القارئ أن أحول دفة الحوار و أن أبدأ في وصلة لعن و سب لمبارك وحاشيته لكن ما زرعه مبارك و من قبله من سبقوه هو ما نحصده الان , فالمواطن البسيط يري الصنم يسقط و لأول مرة و يعلم أنه لا حول له و لا قوة , يعلم أنه كان يلقن و بحرافية ما يجب أن يعرفه و لمدة ثلاثة عقود , و لكن الي أي مدي يستيطع ذلك المواطن أن يذهب و هل سيستمر في التشكيك في كل ما يعرف أم أنه ستوقف عند هذا الحد ؟!
مصر تحت المراجعة الفكرية :
بدأت بعد الثورة نقاشات محتدمة علي كافة الاصعدة , ما هي الحرية ؟ و هل هي حرية مشروطة أم مطلقة ؟ ما الشكل الذي يجب أن تقوم عليه الدولة ؟ ماذا يريد شباب التحرير ؟ ما حكم عدم طاعة ولي الامر ؟ , كل تلك الاسئلة و كأن الناس أدركت بطريقة غير مباشرة أن الاساس الذي يحركهم و يدفعهم لأخذ موقف تجاه فعل أو قول هو أساس فاسد , فبدوأ الجري في كل أتجاه بعشوائية و تخبط للأحتماء من فراغ القناعات الموحش , منهم من أترمي في أحضان المشايخ و الأعراف - و لا ألومهم فليس كل الناس لديهم نفس القدرة و الامكانية للبحث و التشكيك و الفحص في كل ما حولهم - البعض الاخر ذهب للأعلام و كأن ذلك الاعلام لم يدس لهم الاكاذيب طيلة حياتهم أو كما يقول المثل الشعبي في مصر ( الي نعرف أحسن من الي منعرفوش ) و أما القلة المتبقية فكانت قد شكلت وعيها منذ زمن بمعزل عن ما يقال في الاعلام و ما يتداول من الاعراف و التقاليد , رافضة التعامل معاها كأطفال لا قرار لهم , كارهة لما وصل له الوعي المصري من تبعية و تريد أن يكون له فردنيتها بعيدا عن مطرقة الدولة الغاشمة و كماشة الاعراف الخانقة , و هنا حدث الصدام .
الخطوط المتوازية لا تتقاطع :
أن كان هناك أستنتاج من الممكن أستخلاصه من الفقرتين السابقتين سوف يكون أن الشعب لن يتحرك قيد أنملة نحو الخلاص , فلماذا نبني نموذجا من الصفر أن كان لدينا نموذج قائم بالفعل , سياسيا لن تتعدي مطالب الشعب تخفيض أسعار السلع الاساسية و الحصول علي مسكن جيد و وظيفة لجلب المال , أجتماعيا فالشعب يري أن أعرافه و تقاليده هي عبق التاريخ و التراث المجيد الذي يجب أن يفكر ألف مرة قبل أن يحيد عنه , الخنوع , الكذب, المداهنة و النفاق , الغش و التدليس , الازدواجية , التسلط , كل هذا و أكثر كان نتاج ثقافة شعبية خرقاء مدعومة بتدين كاذب مفروض بالقوة. فكرة أننا كمجتمع علي مسار خاطئ لم ترق للمواطن الذي عاش عمره يمشي في ذلك المسار حاملا علي عاتقه تنفيذ الوصايا اللانهائية التي لا نعرف من أين جاءت لكن الكل يتبعها بثقة فمن يتحمل صفعة لن يتحمل الاخري , أصبح للشباب بوصلة أخري غير تلك البالية التي لا يري أحد غيرها , كونوا قيم و معايير أخلاقية جديدة خاصة بهم , ناقشوا المشاكل و وضعوا الكحول علي الجروح المتعفنة بلا خوف أو تردد و أصبحت النتيجة الطبيعية لهذا الاختلاف هو الصراع , و هنا أصبح الشباب كسقراط الذي أتهم بأفساد شباب أثينا لمجرد أنه أعاد التفكير في ما أمامه من أعراف و تقاليد و مفاهيم .
معركة سيزيفية :
سوف أرجع هنا لأول سؤال طرحته في هذا المقال و هو هل يمكن للحياة في مصر أن تكون قابلة للبلع ؟ الأجابة هي لا ما دامت تلك القيم البالية تحجم سعة أفق المواطن , فليجاوبني أحد لماذا ما زلنا حتي العام 2018 نناقش قضايا الحرية الفردية , العنف ضد الاطفال , حرية الاعتقاد , عنف الشرطة ضد المواطنين , الحجاب , ختان الاناث و غيرها من القضايا المحسومة بلغة العقل و المنطق و العلم , هل تلك المقدمات سوف تفضي الي حياة سوية ؟ , هل سيأتي علي المواطن يوم لا يخاف فيهم من أن يطرح أفكارا جديدة دون الخوف من اللعن و السب و النبذ , هل سنتحرر فعلا من عبودية الافكار و الاشخاص يوما ما ؟ لنترك الاجابة للزمن و لكل من قالوا لا في وجه من قالوا نعم .
-
مصطفي حسام الدينأكتب لأبقي ملموسا
التعليقات
بداية موفقة , في إنتظار كتاباتك القادمة .