حرب البديهيات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حرب البديهيات

  نشر في 11 مارس 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

الاستيقاظ مبكرا , الصراع مع الجفون حتي تنفتح, التخلي عن الغطاء الناعم و الفراش الاثير , صباح الخير - فلنتفترض أنه خير- أنه يوم جديد ,كم أن هذا مؤلم-أعني الاستيقاظ- بالذات لو كان في الشرق الاوسط و خصوصا مصر .

في بعض الأحيان تحضرني بعض الأفكار و أستغرق في رياضة التأمل و الشرود فأغرق مع الفرضيات الخيالية ولكن هناك فرضية واحدة بالتحديد تلح علي منذ فترة , ماذا لو كانت الحياة في مصر قابلة للبلع ؟! 


المقدمات  :

منذ أحداث ثورة الخامس و العشرين من يناير و ما تلها و حتي ما سبقها من أضرابات و أعتصامات و الوعي المصري في حالة صدام حادة , فالأب الكبير (مبارك) قد سقط , وسط ذهول من الشعب , من كان يتوقع هذا , فبعيدا عن حسابات الواقع و ما أرتكبه مبارك و حاشيته علي مدار ثلاثة عقود من جرائم فلقد نجح و بأمتياز في تلويث الوعي المصري و و زرع صورة وهمية عن كونه راعي الشعب و حامي أراضي الوطن و الاب الحنون علي المواطن الذي لا حول له و لا قوة , ها هو ذا يترك السلطة تلبية لمطالب المعتصمين , كان تلك النقطة هي أول الغيث أو بتعبير أدق أول صفعة في وجه الوعي المزور. لا أٌقصد هنا عزيزي القارئ أن أحول دفة الحوار و أن أبدأ في وصلة لعن و سب لمبارك وحاشيته لكن ما زرعه مبارك و من قبله  من سبقوه هو ما نحصده الان , فالمواطن البسيط يري الصنم يسقط و لأول مرة و يعلم أنه لا حول له و لا قوة , يعلم أنه كان يلقن و بحرافية ما يجب أن يعرفه و لمدة ثلاثة عقود , و لكن الي أي مدي يستيطع ذلك المواطن أن يذهب و هل سيستمر  في التشكيك في كل ما يعرف أم أنه ستوقف عند هذا الحد ؟!


 مصر تحت المراجعة الفكرية :

بدأت بعد الثورة نقاشات محتدمة علي كافة الاصعدة , ما هي الحرية ؟ و هل هي حرية مشروطة أم مطلقة ؟ ما الشكل الذي يجب أن تقوم عليه الدولة ؟ ماذا يريد شباب التحرير ؟ ما حكم عدم طاعة ولي الامر ؟ , كل تلك الاسئلة و كأن الناس أدركت بطريقة غير مباشرة أن الاساس الذي يحركهم و يدفعهم لأخذ موقف تجاه فعل أو قول هو أساس فاسد , فبدوأ الجري في كل أتجاه بعشوائية و تخبط للأحتماء من فراغ القناعات الموحش , منهم من أترمي في أحضان المشايخ و الأعراف - و لا ألومهم فليس كل الناس لديهم نفس القدرة و الامكانية للبحث و التشكيك و الفحص في كل ما حولهم - البعض الاخر ذهب للأعلام و كأن ذلك الاعلام لم يدس لهم الاكاذيب طيلة حياتهم أو كما يقول المثل الشعبي في مصر  ( الي نعرف أحسن من الي منعرفوش ) و أما القلة المتبقية فكانت قد شكلت وعيها منذ زمن بمعزل عن ما يقال في الاعلام و ما يتداول من الاعراف و التقاليد , رافضة التعامل معاها كأطفال لا قرار لهم , كارهة لما وصل له الوعي المصري من تبعية و تريد أن يكون له فردنيتها بعيدا عن مطرقة الدولة الغاشمة و كماشة الاعراف الخانقة , و هنا حدث الصدام .


الخطوط المتوازية لا تتقاطع :

أن كان هناك أستنتاج من الممكن أستخلاصه من الفقرتين السابقتين سوف يكون أن الشعب لن يتحرك قيد أنملة نحو الخلاص , فلماذا نبني نموذجا من الصفر  أن كان لدينا نموذج قائم بالفعل , سياسيا لن تتعدي مطالب الشعب تخفيض أسعار السلع الاساسية و الحصول علي مسكن جيد و وظيفة لجلب المال , أجتماعيا فالشعب يري أن أعرافه و تقاليده هي عبق التاريخ و التراث المجيد الذي يجب أن يفكر ألف مرة قبل أن يحيد عنه , الخنوع , الكذب, المداهنة و النفاق , الغش و التدليس , الازدواجية , التسلط , كل هذا و أكثر كان نتاج ثقافة شعبية خرقاء مدعومة بتدين كاذب مفروض بالقوة. فكرة أننا كمجتمع علي مسار خاطئ لم ترق للمواطن الذي عاش عمره يمشي في ذلك المسار حاملا علي عاتقه تنفيذ الوصايا اللانهائية التي لا نعرف من أين جاءت لكن الكل يتبعها بثقة فمن يتحمل صفعة لن يتحمل الاخري , أصبح للشباب بوصلة أخري غير تلك البالية التي لا يري أحد غيرها , كونوا قيم و معايير أخلاقية جديدة خاصة بهم , ناقشوا المشاكل و وضعوا الكحول علي الجروح المتعفنة بلا خوف أو تردد و أصبحت النتيجة الطبيعية لهذا الاختلاف هو الصراع , و هنا أصبح الشباب كسقراط الذي أتهم بأفساد شباب أثينا لمجرد أنه أعاد التفكير في ما أمامه من أعراف و تقاليد و مفاهيم .


معركة سيزيفية :

سوف أرجع هنا لأول سؤال طرحته في هذا المقال و هو هل يمكن للحياة في مصر أن تكون قابلة للبلع ؟ الأجابة هي لا ما دامت تلك القيم البالية تحجم سعة أفق المواطن , فليجاوبني أحد لماذا ما زلنا حتي العام 2018 نناقش قضايا الحرية الفردية , العنف ضد الاطفال , حرية الاعتقاد , عنف الشرطة ضد المواطنين , الحجاب , ختان الاناث و غيرها من القضايا المحسومة بلغة العقل و المنطق  و العلم , هل تلك المقدمات سوف تفضي الي حياة سوية ؟ , هل سيأتي علي المواطن يوم لا يخاف فيهم من أن يطرح أفكارا جديدة دون الخوف من اللعن و السب و النبذ , هل سنتحرر فعلا من عبودية الافكار و الاشخاص يوما ما ؟ لنترك الاجابة للزمن و لكل من قالوا لا في وجه من قالوا نعم .


  • 12

   نشر في 11 مارس 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 6 سنة
مقال رائع يعبر عن الواقع المؤلم , أشاركك نفس الإحساس بصعوبة التعامل مع الواقع المصري و لا أعرف إلى أين ستنتهي الأمور فكلما قلت أننا قد وصلنا للقاع أفاجأ بأننا مازلنا نهبط أكثر و أكثر .
بداية موفقة , في إنتظار كتاباتك القادمة .
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا