شَريعة حَمورابي...بين الماضي والإستشراف وقوة القيادة
نشر في 05 أبريل 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
"حَمورابي " (حمورابي بالأكدية تلفظ امورابي وتعني المعتلي) حكم بابل بين عامي 1792 - 1750 ق؛ م، هو الملك العربي الذي بنى السلالة العربية الحاكمة في بابل بحسب تواريخ بيروسوس الكاهن البابلي.
لعل أهم ما طَبَّق مَعنىٰ إسمهُ ( المُعتلي ) هو مسلتهُ الشهيرة التي وضعت بها القوانين التي شرّعت سير الحياة البابلية وكانت نَهجاً قوياً في وضع التشريعات الأُخرى .
فعلى الرغم من وجود لَه إنجازاتٍ أُخرى إبان فترة حكمه إلا ان اهمها كانت تشريع "مسلة حمورابي" وكأن هذه المسلة كانت معبرة عن شخصية وفكر حمورابي .
ما يميّز كُل قانون أو شَريعة هو قوة وسلطة مُشرعها ومدى تطبيقها بالإضافة الى حكمة وعدالة هذه القوانين أو التشريعات .
يسعى كُل مُشرع الىٰ وضع قوانين هدفها تنظيم الحياة الإنسانية لإقامة حضارة عظيمة مُقامة على اسس وقواعد رصينة ، وكُل ذلك يحتاج الىٰ عاملين مهمين الا وهي الشخصية الجبارة للمُشرِّع وقوتها في المجتمع وهذا ما يجعل أفراد المجتمع يتبع تلك التشريعات ولكن ليس المقصود بقوَّة المُشرِّع هي التجبّر وفرض البطش ...
لإن مدى تطبيق القوانين لايُقاس بفرضها إجبارًا
وإنما بمدى قناعة الفرد ذاتياً بالتشريعات .
فعندما نعود لدراسة شريعة حمورابي نجِد إنها وضعت بحكمة بالغة فعلى الرغم من المشرِّعين والملوك القدماء وضعوا العديد من القوانين إلا إنّ حمورابي فاقهم ذكاءًا في وضعها .
لعل الفلسفة الفكرية والشخصية العسكرية القيادية لحمورابي( فقد كان قائد عسكري) هي التي أضفت طابع الأوامر للتشريعات وليس مجرد اعطاء الحقوق للمجتمَع لذا يرى الباحثين إن الإسلوب الذي أُعتمد في وضع التشريعات هي الإنتقال من فقرة الىٰ أخرى وبصورة عشوائية نوعاً ما دون التطرُّق للتفاصيل ، وما يُفسر ذلك في وضع القوانين هو إعتماد الشخصية العسكرية في إعطاء الأوامر دون التطرق للمبررات .
أما لو درسنا تطبيق هذه القوانين في المجتمع فنرى إن حمورابي على الرغم من انه أصدر تشريعاته بصورة الأوامر إلا انه كان فيلسوفاً بربط هذه التشريعات بالميثولوجيا البابلية ( وهي ديانة الآلهات والأساطير كانت متبعة في بابل)
لكي يجعل الرعية يؤمنون بإن هذه التشريعات هي سماوية وليس مجرد تشريع شخص .
وبذلك فهو يحوِّل أوامره وتنفيذها الى سلوك تنفذه الرعية عن قناعة ذاتية وليس أوامر مفروضة .
وذلك فإن دائماً ما نرى بإن الحضارات التي تعتمد في تشريعاتها على التشريعات السماوية تكون أكثر ازدهاراً كون الرعية يكونون ملتزمين بهذه القوانين لإنها تشريعات سماوية ومثال على تلك الحضارات الحضارة البابلية في عهد حمورابي والحضارة المصرية والحضارة الإسلامية على مر عدة عصور مثل عصر صدر الإسلام والعصر العباسي وغيرها لانها كانت تعتمد شريعة الإسلام وكذلك العصور الوسطى في أوربا التي كانت ديانتها المسيحية .
ثُم ننتقل الى إعتماد حمورابي في كتابة مسلته على الديانات والتشريعات السماوية فقد ربط الباحثين تشابه قوانين حمورابي بالتشريعات السماوية التي جاءت في كتاب العهد سفر الخروج في الديانة المسيحية واليهودية على الرغم إن الديانة المسيحية واليهودية عقبت ذلك بحوالي أكثر من الف عام وكإن حمورابي يستشرف المُستقبل وذلك بدراسة الماضي ووضع التشريعات كما جاءت قبله بصحف إبراهيم في عهد النمرود .
وبذلك فقد كانت مسلة حمورابي هي من أعظم التشريعات ،بل إنها لازالت تُعتمد في وضع أهم القوانين في العالم .
بقلم مها سعد فاضل
-
مها سعد فاضللي عقلٌ يتفَكّر و قلبٌ يفقه و ضميرٌ حَي و أصلٌ عَربيّ أكسَبَني فصاحةً على الفِطرةِ و قلمٌ ليس بيني وبينه بين حَرِيٌ أن أقول كاتبة ...