يعرف التواصل على أنّه عمليةٌ إنسانيةٌ يتمّ على أساسها وصول كيانين أو نظامين إلى حالةٍ من التفاهم مع بعضهما البعض من خلال عملية تبادل المعلومات، البيانات، الأفكار، المشاعر والقناعات، بحيث يكون أحد الأطراف هو المرسل، والطرف الآخر هو المستقبل، وتكون عملية التواصل إمّا من خلال النطق والحديث، أو الكتابة، أو الرسم، أو الحركات والإيماءات وغيرها. وبناءً على ذلك فإنّه من الممكن تقسيم التواصل إلى عدّة أقسام، هي: التواصل النفسيّ، والتواصل الاجتماعيّ، والتواصل التربويّ والذي يكون بهدف التعليم، وهذه العملية تتكوّن من خمسة عناصر، هي: المرسل، والمستقبل، ومحتوى الرسالة، وطريقة الاتصال، والقنوات المستخدمة، وردّ الفعل أو الاستجابة،.

The concept of communication", open.lib.umn.edu، 15-7-2018. Edited.

       إذن فالتواصل عملية مهمة في تعاملاتنا اليومية كأفراد او جماعات و بين الدول ، وقد يتخذ أشكالا مختلفة حسب طبيعة القضية المطروحة و حسب التكوين المعرفي لطرفي التواصل. فنجد أن عددا كبيرا من الشركات تستغل التواصل كعملية لتسويق منتجاتها و تخصص لذات الغرض مصلحة مختصة بموارد مالية مهمة و اطر مكونة في مجال التأثير على الزبناء مستعملة بذلك وسائل متعددة و متنوعة للتواصل عبر الإعلام المرئي و المسموع و المكتوب.

      هناك حكومات تعمد إلى إيصال رسائل محددة قصد التأثير على شعوبها سواء لشرح استراتيجياتها في الحكم أو لتضليل الناس و إيصال معلومات خاطئة للإبقاء على الوضع كما هو عليه ، بل و أحيانا تقطع قنوات التواصل مع المجتمع المدني و مع المحتجين .

      و غياب التواصل يؤدي في عديد الأحيان إلى نزاعات و خصومات قد تصل إلى الحرب بين الدول تأتي على الأخضر و اليابس فقط لان هناك طرفا يغلق كل القنوات لإيجاد حل للمشكلة يرضي الطرفين.

      و قد ذكر الأستاذ هاني عطية ابو شوارب بأن الاختلافات التي تحدث في مجتمعاتنا مهما كان نوعها يمكن إرجاعها إلى سببين :

• اختلاف و تضارب الأهداف و المصالح

• اختلاف الطرق المتبعة للوصول إلى نفس الأهداف

و الاتصال نوعان :

الاتصال الداخلي : و يستهدف عملية التواصل داخل المنظمات كل من

• المتطوعين

• فريق العمل

• الفروع

الاتصال الخارجي :الذي يتوخى تحقيق أهداف المنظمة وأهداف أصحاب المصلحة من اجل التوفيق بين المصالح المتعارضة لهؤلاء و إيجاد صيغ عمل مشتركة و يتم مع :

• المستهدفين

• الجهات المانحة

• الجهات الحكومية

• القطاع الخاص

• الإعلام

    و يعتبر التواصل عملية ضرورية بالنسبة للجمعيات و المنظمات و ذلك لأسباب منها :

• إيصال صورة ايجابية عن الجمعية إلى البيئة الخارجية بما يحقق زيادة الوعي بأعمال وواجبات الجمعية والتحديات التي تواجها.

• تحقيق بيئة معرفية اتصالية أكثر شمولاً ودقة على الصعيدين الداخلي والخارجي .

• زيادة التنسيق والتعاون مع الجهات الخارجية ) الحكومية و المانحة و القطاعين الخاص و المجتمع المدني ( في الأمور المشتركة .

أهداف الاتصالات الداخلية:

• نشر وتعزيز رؤية ورسالة وأهداف الجمعية وقيمها بين منخرطي الجمعية ، وزيادة وعيهم بأهميتها.

• ضمان تدفق المعلومات بشكل فعال داخل المؤسسة ، مما يتيح الاطلاع عليها .

• إيجاد آليات الاتصال الداخلي بين جميع الأقسام والموظفين و الإدارة والفروع

• تعميم وسائل الإتصال الداخلي على كافة موظفي الجمعية بما فيها شبكة الأنترنت والبريد الإلكتروني .

• إيجاد بيئة داخلية ملائمة للتعاون وتبادل المعرفة بين الموظفين وبيان مهام وأعمال الوحدات و الفروع الأخرى، وحث الموظفين على تقديم ملاحظاتهم وتبادل خبراتهم.

• تقديم خدمة لكافة الوحدات و الموظفين على أكمل وجه.

• المساهمة في تعزيز الشفافية داخل المؤسسة ونقل المعلومات المناسبة لمتخذي القرارات في الوقت المناسب..

أهداف الاتصالات الخارجية:

• إيصال صورة ايجابية عن الجمعية إلى البيئة الخارجية بما يحقق زيادة الوعي بأعمال وواجبات الجمعية والتحديات التي تواجها.

• توفير معلومات حديثة ودقيقة عن الخدمات والعمليات وإجراءات العمل التي توفرها الجمعية

• إطلاع متلقي الخدمة على التغيرات والأنشطة التي تؤثر أو تتأثر بهم.

• مد جسور التعاون والعمل مع المؤسسات الحكومية والخاصة و منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأخرى لتنفيذ أهداف الجمعية.

• تقديم معلومات ذات علاقة للمانحين والممولين لتمكينهم من الإطلاع على حاجات الدائرة من الدعم اللازم لتنفيذ مشاريع الجمعية الإستراتيجية، وللمستثمرين لتمكينهم من الإطلاع على الفرص المتاحة في الجمعية.

• توفير معلومات وبيانات وإحصائيات تمكن صانع القرار من اتخاذ القرار الرشيد بما يخدم أغراض التنمية الشاملة و المستدامة

• دعم المشاريع التنموية بغرض تغيير السلوك العام.

و من أشكال التواصل التي تستعمل يوميا نجد :

أولا : الجدال أو المراء او المجادلة

يقول جبران خليل جبران :" ليس من الذكاء أن تنتصر في الجدال و لكن من الذكاء أن لا تدخل في الجدال أصلا "

و الجدل لغة هو شدة الخصومة، و هو حديث يتم بين شخصين يحاول كل واحد الانتصار على الآخر بفرض رأيه و التمسك بموقفه و الانتصار لذاته بعيدا عن الحقيقة و عن البرهان . و المجادلة هي المفاوضة علي سبيل المنازعة والمغالبة وفي الغالب يكون هدفها إلزام الخصم بالرأي وليس الوصول للحقيقة و فهم الشيء و كلما كانت المجادلة أكثر كانت الخسارة اكبر.

و قد قسم دانيال اتش كوهين الجدال إلى ثلاثة أنواع

الجدل الديالكتيكي: وهو الجدال لغرض الجدال وهو الجدال كحرب وصياح ولابد فيه من فوز وخسارة لأحد الطرفين.

الجدل كبرهان : وهو الذي يعتمد على المقدمات المنطقية والتي قد تؤدي الى النتائج المنطقية

المجادلة كالأداء : حيث يكون الجدال أمام الجمهور أو هيئة محلفين لإصدار حكم معين وهو اقرب الى المناظرات.

و يستعمل بعض المسئولين و بعض صناع القرار مجموعة من الألعاب المناطقية للتهرب من أسئلة الصحفيين أو نشطاء المجتمع المدني و منها :

 الأحتلال

 التخويف

 التعطيل

 التمويه

 التلاعب بالمعلومات

 العصيان الأستراتيجي

 الأسوار الغير مرئية

 الإقصاء

 الأستقواء

 التشكيك

ثانيا : النقاش :

يعرفه الفيزيائي الأمريكي المشهور (ديفيد بوم ) بأن لها جذور مثل "قرع" و "دق" حيث أنها تعني كسر الأمور إذا أنها تركز طبقا ل ديفيد على فكرة التحليل حيث قد يكون هناك الكثير من وجهات النظر بحيث يقوم الناس بضرب الأفكار ذهابا وإيابا بهدف أن تحصل على اكبر عدد من النقاط ,قد تتفق مع البعض وقد تختلف مع آخرين 

و من خلال النقاش نقوم بالبحث عن الحقيقة و الاستقصاء و المحاسبة بعيدا عن الخصومة و الجدل و يشترط فيه ما يلي :

1- يجب أن يكون هناك وعي تامّ بالقضيّة المراد مناقشتها

2- كتابة الرّأي قبل مناقشته أو تحضيره و إعداده إعدادا جيّدا

3- التسلسل والتدرّج في طرح الفكرة ومن غير المحبّذ مطلقا إعادة الفكرة أكثر من مرّة

4- البعد كلّ البعد عن الخروج عن آداب النّقاش أو المحاورة . والتحلّي بالأخلاق الحميدة .

5- محاولة فهم المخالفين في الرأي واقتراح حلول بديلة بأسلوب هادئ.

ثالثا : المناظرة :

و هي حديث رسمي بــــين طرفين أو أكثر في جلسة عامة لكل منهما وجهة نظر مختلفة حول قضية معيّــنة ضمن توقيت معين، و يسعى كل طرف إلى إعلاء موقفه بتقديم الحجج البراهين و الوسائل العلمية و المنطقية التي تؤيد رأيه في الموضوع المطروح للنقاش بهدف هدم و نقض الرأي المخالف. و تشترك المناظرات في ما يلي :

1. وجود القضية التي تطرح للنقاش

2. وجود الجمهور الذي يحضر المناظرة .

3. الاختلاف في وجهات النظر و الكل يحاول اظهار صحة موقفه.

4. الحجج والبراهين لكل الفريقين

5. النتيجة التي تتضمن التصويت لصالح فريق

رابعا : التفاوض

التفاوض هي العملية التي من خلالها نسعى للحصول على ما نريد من الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على شيء منا ، و تستهدف الوصول إلى حلول مقبولة بتقديم تنازلات من طرفي الحوار أو اتفاق يسهم في تحقيق مصلحة طرفين أو أكثر يربطهم موقف مشترك في زمن محدد. و يمكن ان تكون عملية حل النزاع بين شخصين أو أكثر حيث يبدأ الطرفان بتقديم تنازلات أو تغيير الشروط للوصول إلى صيغة ترضي الطرفين .

1- بعض صفات و مهارات ا لمفاوض ا لجيد:

- التخطيط و حسن الاستماع

-الثقة في النفس، القوة و عدم الارتباك تحت الضغط

-القدرة على الاقناع ، اقتناء المعلومة / المعرفة

-التمتع بمهارات الاتصال و الدبلوماسية

2- جوانب ا لتفاوض

أ‌- ا لتخطيط : يعد الاتصال المبدئي لإظهار النية بالتفاوض و تحديد الهدف

• تحديد و دراسة المشكلة او قضية التفاوض و الهدف من التفاوض

• تحديد القيود و الفرص المتاحة للطرفين و جمع و تحليل البيانات الأولية

• تقييم المركز التفاوضي ( بناء على القيود و الفرص ، هل هناك جدوى من عقد المفاوضات أم لا ؟ )

ب‌- الإعداد ( اتصال آخر لاقتراح مستوى المشاركة و المكان و الوقت)

• الاختيار و الإعداد لفريق التفاوض

• الإستراتيجية التفاوضية المناسبة (تعتمد على القيود و الفرص)

• إعداد مبدئي لأجنده التفاوض ( ترتيب الأولويات و الوقت المتاح للوصول لها)

• الإعداد و التحضير للجلسة

ت‌- تنظيم ا لجلسة التفاوضية

• تحديد الأدوار على الفريق المفاوض

• تحديد مسؤول لمتابعة أعمال الفريق

• تجهيز مكان التفاوض و أجنده التفاوض

• تجهيز الوثائق و التقارير اللازمة

• إجراءات الاتصالات بالطرف الآخر

ث‌- تنفيذ عملية التفاوض

• قدم نفسك

• أفتتح الجلسة

• تطبيق الاستراتيجيات و التكتيكات المناسبة

• التعاقد

3- ا لمراحل الست لعملية التفاوض

أ‌- الاتصال

يكون عن طريق اتصال هاتفي أو لقاء مباشر أو رسالة بريدية ولكن فى المفاوضات العالية المستوى ، عادة يكون هناك طرف ثالث وذلك لان من يطلب المفاوضات هو عاده الذي يقدم اكبر التنازلات لذا فإن الطرف الثالث سيحل هذه المشكلة و يكون فى نفس الوقت مضيفا للمفاوضات و إذا ما بدأت الخلافات يكون هو الوسيط لإعادتها.

ب‌- التجهيز لعملية التفاوض

يجب تحديد الأولوية التي يحتاجها المفاوض و التصور المبدئي للدخول و الخروج من عملية التفاوض و الانتظارات من هذه العملية، كما يتحتم إعداد فريق متدرب ملتزم يعرف كل أفراده مسئولياتهم .

ت‌- ا لنقاش

و هذه العملية تستخدم لقياس آراء الآخرين عبر أسئلة مفتوحة و انتظار أجوبة يتم تحليلها و اخذ النقط بعناية و تسلسل.

ث‌- الاقتراح

الاقتراح هو عبارة عن عرض لما تستطيع تقديمه مقابل ما تريد الحصول عليه

أي التقدم بمقترح و انتظار الطرف الأخر لما رح ماذا يمكنه من مبادلتك به .

كما يتم وضع انتظاراتك دون تحديد الشروط مسبقا .

ج‌- المساومة

• ساوم - ماذا تستطيع من مبادلته ؟

• مساومة مقترح بآخر أو مقترحات عديدة بأخرى مع إمكانية المقايضة للوصول إلى حل محدد ، وهذه الاستجابة لا تكون بسرعة حتى و ان كنت وصلت للهدف ، مع ضرورة تسجيل كل اتفاق .

ه‌- الاتفاق

و هنا نشير إلى أهمية استخدام الأسلوب المناسب لإنهاء المفاوضة مع إظهار تخوف من حجم التنازلات التي قدمتها

خامسا : الحوار

الحوار لغة : التجاوب

مشتق من الرجوع و المراجعة و الرد. الحوار محادثة بين شخصين او طرفين ، حول موضوع محدد ، لكل منهما وجهة نظر خاصة به ، هدفها الوصول إلى الحقيقة ، ا والى اكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر بعيدا عن الخصومة او التعصب بطريق يعتمد على العلم و العقل ، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة و لو ظهرت على يد الطرف الآخر.

و يمكن الحوار من مناقشة و تناول القضايا التي تعيق الاشتغال في جو من تبادل الاراء للوصول الى نتيجة مرضية للطرفين.

المجتمع المدني و الحوار التشاركي

      تتسم علاقة المجتمع المدني مع السلطات و مع القطاع الخاص في العديد من الدول بالضبابية و التعارض تصل في بعض الأحيان إلى المنع او إلى وضع عراقيل أمام الجمعيات في الحصول على التمويلات المحلية و الأجنبية رغم كل الشعارات التي ترفعها من انتقال ديمقراطي و حقوق الإنسان و الحريات العامة ، كما تواجه الجمعيات معارضة كبيرة من طرف السكان في تنزيل مشاريعها التنموية مما يحرم مناطق كثيرة من تنمية حقيقية .

       و في ظل هذا الصراع بين أطراف معادلة التغيير المجتمعي يبقى التواصل التشاركي أفضل حل لفتح قنوات الاتصال بينها و التأسيس لحوار مجتمعي تشاركي حقيقي مبني على الثقة و حسن النية ، و وضع استراتيجيات للتواصل الدائم بين كل المتدخلين في إطار من المشاركة الفعالة و تحديد المسؤوليات و الالتزامات من اجل رسم سياسات مجتمعية تلبي احتياجات السكان الاجتماعية منها و الاقتصادية.

فجمعيات المجتمع المدني مطالبة بوضع آليات للتواصل و الاتصال تراعي خصوصيات أصحاب المصلحة الذين تتعامل معهم و الذين يتأثرون و يؤثرون بتدخلات أنشطتها وبرامجها ، عبر وضع خطة للاتصال  تراعي العناصر الآتية :

• تحديد الهدف / الأهداف من العملية

• تحديد أصحاب المصلحة أو المستهدفين ( المباشرين و غير المباشرين )

• تحديد الرسائل الأساسية التي يجب إيصالها إلى أصحاب المصلحة .

• تحديد وسائل الاتصال لإيصال المعلومات عن غرض محدد.

• تحديد الآليات التي سيتم استخدامها للحصول على تغذية مرتدة بشان الإستراتيجية

      و يعد تقوية قدرات هياكل الجمعيات من اطر و متطوعين من بين الحلول الممكنة للتمكن lمن اليات الاتصال و التواصل و تعلم تقنياته عبر دورات تكوينية في هذا المجال .

      ويبقى معهد الفضاء المدني عبر منصته التفاعلية من بين أهم مصادر و وسائل التواصل التي تمكننا من  التكوين و التعلم و التدريب في مجال تقوية قدرات المجتمع المدني ، حيث يتم تزويد المشاركين بمعارف و مواد علمية تفاعلية متناسقة تتطرق لكل الجوانب التي يمكن أن يحتاجها نشطاء المجتمع المدني خلال اشتغالهم و تواصلهم مع الفرقاء الاجتماعيين في دولهم ، ويتم اقتراح العديد من الاستراتيجيات و التقنيات التي يمكن تكييفها حسب البيئة و حسب المخاطبين.

     حيث جاء المساق الثالث في مجال آليات الاتصال و التواصل مع المجتمع و ما حمله من تواصل و اتصال بين المشاركين، و المواد المعرفية الغنية و المفيدة  ، ليكمل سلسلة المساقات السابقة التي تناولت مفهوم و مبادئ الحوكمة في المساق الأول و فن القيادة خلال المساق الثاني .هذه المساقات حملت موادا تعليمية متنوعة تم عرضها بطرق مختلفة تفاعلية ساهم المشاركون فيها باغناء النقاش و توضيح المفاهيم مما أتاح للجميع الوصول إلى طبق من المعرفة التي ستساهم في تقوية و تحسين أدائهم الميداني و تواصلهم الفعال مع أصحاب المصلحة ، و فتح أبواب الحوار مع السلطات لتقريب وجهات النظر و توحيد طرق الاشتغال بعيدا عن التصادمات و المعيقات بينهم، وانهاء سلسلة من الصراعات المجانية التي تضيع معها مصلحة البلاد و العباد.