كانتا طفلتين مرحتين جداً..
منذ مهدي وهما تسكنان هذا الجسد..جسدي..تملئانه فرحاً وبهجة..تلمع عيناهمها من شغف التعلم والإكتشاف..تستمتعان بكل لحظة تمضي، وتمتلئ مخيلتهما بالآمال والأحلام (الممكن منها والمستحيل)..تتراقصان مع أنغام الموسيقي وتطرقان لكلمات المديح والغزل.
كانت إحداهما تزداد حجما وإدراكاً عن الأخري..ولكن لا بأس..فلا تزال مرحة علي أية حال.
وبمرور السنين والأيام..وما تطبعه الأيام من تجارب وخبرات علي النفس..ابتدت المناوشات بين الراشدة والصغيرة..فلا تزال الصغيرة صغيرة..تنفعل بكل ما أوتيت من عواطف جياشة.مرحة، تحب اللعب والمزاح، والقصص الخيالية والأساطير، تطرق لكلمات الغزل والمديح،تركن الي الدلال والراحة، تعشق الموسيقي والفن..أما الراشدة..تشعر أن شيئاً ما انطفأ بداخلها..تري علي وجها خطوط الأيام والسنين..الصراعات ..الانتصارات والانهزامات..التحديات والمسؤليات..ممتلئة بالخوف والرجاء..تلاحظ وتحلل ،وتدون لتتعلم..تدرك خطورة لعبة الحياة ومدي تعقيدها..تسعي لفهم فلسفة الحياة المتناقضة..كل هذا يشغلها عن اللعب والمرح..تجدها تضع كم لا بأس به من العراقيل أمام صغيرتها لتحميها، مما يزعج الصغيرة ويشعرها بأنها حبيسة صندوق الواقع.
في الآونة الأخيرة تفاقم الصراع بينهما إلي الحد اللذي أدي إلي انهيار الجسد وإعيائه..لم يعد يتحمل صرخات النزاع..نيران الحرب أدت الي اختلال كيمياء عقله مما أودي به الي الإكتئاب.
الجسد لايعبأ بانتصار الحق علي الباطل بقدر ما يعبأ بانهياره..يقف في حالة من الخمول آملاً توقف هذا الصراع في أقرب وقت.
أذكر ذلك اليوم اللذي لم استطع فيه تحمل أصواتهما العالية وكدت ألقي بنفسي من أعلي الشرفة فقط بغرض انهاء ذاك العذاب.
لا يمكن لحرب كهذه أن تنتهي بموت أحد الطرفين ،فإن هلاك إحداهما يعني حتماً هلاك الأخري.
فالجميع شركاء في جسد واحد..ولا أريد لحرب كهذه أن تنتهي بانتصار إحداهما علي الأخري وحبسها في زنزانة إلي حين إشعارٍ آخر.
أحتاج إلي كليهما في عقلي..الطفلة المرحة اللطيفة والراشدة القوية الحكيمة، فلولا جنون الصغيرة ما تحلّت الراشدة بالرشد..لا يمكنني التخلي عن أي منهما علي أية حال.
فلا أري لهذه الحرب إلا أن تنتهي بالسلام...فالتسمع الصغيرة لنصح الراشدة بقدر ما يحميها..ولتسمح الراشدة لصغيرتها ببعض الحرية في الإنقياد لفطرتها اللطيفة..وليتعاونوا معاً في بناء شخصية واحدة متناسقة متوازنة تجمع بين الشدّة واللين،والحزم والتسيب ،والإقبال والحذر،والحكمة والجهل، والخوف والأمل، والواقعية والخيال.
-
Hadeir Saidحياتي قطر سريع قصير علي خط القاهرة - بورسعيد