صداع رهيب ...أنفاسي تتبعثر ...جدراني تتصدع ..
حدثني لازلت أصغي ..
صوت خافت من بعيد يقول ، لقد جفت أقلامك و إمتلأت أوراقك
فلا مجال للبقاء ..
بكلمات متقطعة قلت : تمهل قليلا رأفة بي و بقلبي الصغير و عقلي الذي لازال يحمل بين تجاعيده الكثير من الأحلام و الخطط التي لم تكتمل لحد الآن يزداد الصراخ و تتعالى الصيحات بداخلي ، تهتز الأركان و تتمايل الجدران لحدة تلك اللحظات ..
قفازات و بدلات زرقاء عليها بقع من الدماء ، وخزات إبر و العديد من الثقوب بجسدي ، أصوات كثيرة تتزاحم خارج عالمي ، ضعوا الضمادات أحضروا الكمادات ..حرارتي ترتفع اكثر و اكثر
لقد إندلع حريق ..
أين؟
بذلك الجسد الهزيل تتزاحم ألسنة النار الحارقة ..
شخص واقف هناك بنهاية الممر يقول : هيا أسرعوا إصعدوا به إلى الطابق العلوي ، جهزوا غرفة الانعاش ..
حمالة ، أوكسجين و مزهرية فارغة بجانب الفراش ، لقد أيقنت حينها أني كنت أحترق حقا عندما سمعت صراخ والدتي و هي تقول: ما سر كل هذا الدخان ، ما الذي يحدث لك يا بني ؟ ..
و دموع صديقي العالقة بالأجفان تقول: أتمنى أن تعود إلينا بسلام ، في تلك اللحظة تمنيت حدوث الكثير من الأشياء ، الكثير من المستحيلات التي لم و لن تحدث ..
كان كل جزء من جسدي يبكي ..
لم يفهم الأطباء شيئا عن تلك الحالة ، ظنوا أن جسدي يتعرق ظنوا أنها حمى باردة ، لم تكن حمى و لم يكن عرقا ، كان ذوابانا للجليد بداخلي ، إحتراق للغابات بذاتي ..
كانت دموع الجسد و عبرات القلب ...
جسد يلفظ أحلامه الأخيرة و قلب و حواس مشتتة بين الرحيل و البقاء ، حائرة وسط عتمة الغموض ، قابعة تحت مضلة التساؤلات..
جاء الأجل و لا مفر منه ، تلك الأنثى التي ليس لها مواعيد ، ترديك فوق سريرها مرغما لتغازلك بسكاكينها الحادة ، واحد بالبطن و آخر بالظهر و أخير تغرزه بصدرك مخترقة قلبك الصغير دون أن تمنحك وقتا للتفكير تباغتك و ترحل دون إعتذار دون تبرير ....
لماذا أنا ؟ إنتفاضة أخيرة للجسد ، هو صراخ و صرخة أخيرة للحواس ، لماذا أنا ..؟
ما الذي فعلته ، في ماذا أخطأت يا ترى ؟
أظن أني تماديت في أحلامي و هذا كل ما في الأمر ..
كنت صغيرا و كانت أحلامي صغيرة لا تتجاوز باب منزلي ، كنت أكبر و كانت أحلامي تنمو و تتفرع أغصانها بداخلي و تزهر ، تراكمت أحلامي و إمتزجت الطفولة بحيوية الشباب ، بقيت أحلم و لم يتحقق شيء منها أظن ان المصباح السحري تعطل و لم يعد صالحا لهذا المكان و لهذا الزمان ..
مرت ثلاثة و عشرون على وجودي ، او بالأحرى لم أكن موجودا أصلا ..لم أفعل شيئا و لم أحقق شيئا ، كنت مثل أسير مثل سجين مقيد بالأصفاد ، يرى في بلوغ تلك النافذة و التحديق خارج تلك الغرفة حلما كبيرا ..
عندما كنت صغيرا ، قالت لي ذات يوم معلمتي ، أن حب الوطن من الإيمان ، تعلمت الكثير عن حب الوطن حفظت الكثير من القصائد و الأشعار و تفننت في رسم ذلك الوطن بكل مكان ، حتى على جدران قلبي ..رغم أني لم أفهم ما ترمي إليه تلك القصائد ، إلا أني كنت أرددها بالصباح و المساء و عند كل زاوية و بكل زقاق .
كبرت و فهمت كل شيء عن ذلك السجن الكبير ، كان حب الوطن فطريا بداخلي ينمو مثل زنبقة برية بضفاف قلبي ، كبرت و صار حب الوطن اليوم بالنسبة لي دربا من الخيال ، تلك الزنابق بداخل قلبي ذبلت و ماتت و ها أنا اليوم ألحق بها بنفس القطار الذي ركبته بالأمس .
روحي تغادر جسدي ببطء حاملة حقائبها معلنة عن رحيل بلا عودة ، إنفصال و فراق بدون رجعة ..
يمر شريط من اللحظات السعيدة أمامي ، ذلك الطفل الصغير يلعب أمامي ، أمي أصدقائي ، شيء من طفولتي ، و دقائق من الصفاء
صوت متقطع لتلك الاجهزة من حولي ، نفس أخير ..أمي .
أفقد حواسي شيئا فشيئا ، أفقد نبضاتي و أنفاسي ..
ثلاثة وعشرون شتاءا باردا بجليده و صقيعه و ثلوجه ، كلها توضع فوق جسدي ، لم أعد أحس بشيء توقف كل شيء بداخلي ، إلا أنتم لم تتوقفوا عن القراءة ..
لم أترك شيئا ورائي سوى بضعة خربشات و حروف و رسومات حزينة قد لا تعجبكم ، لم أترك إسما لم أكن مشهورا
كنت طيبا مع الجميع ..كنت مثل حبة السكر ..
ولكنني ذبت الآن ..و ذابت معي الكلمات ..رجاءا
لا تنسوا حضور جنازتي بالمساء ..
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي