سندريلا العصر الحديث - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سندريلا العصر الحديث

عن المرأة في الشرق

  نشر في 11 يونيو 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

لم يكن لي حظ السندريلا حين كافأها القدر على صبرها، بأن التقط الأمير فردة حذائها الفريد، ليكون الوصول إلى قلبها وبيتها عبر فردة حذاء! حظي عاثر جدا، فقد وجدت نفسي في زمن تشابهت فيه الأحذية إلى الحد الذي سيجعل أي أمير يخطئ بمقاس حذائي ولونه وشكله وحتّى مكان وقوعه. لذلك اخترت ألا أكون نسخة عنها، وفضلت أن تكون نسختي أصلية بدل كلّ تلك النسخ العابرة المتداولة.

في زمن الأحذية المتشابهة، والوجوه المتلونة، والأفكار المتحجرة، في زمن الأشياء التي ترى بعين واحدة، اكتشفت أني قد أضعت كلّ طفولتي في تصديق قصة السندريلا، فسندريلا هذا الزمن، على الأقل كما أراها، هي هذه التي تجلس بحب إلى كتاب، من ترفع خصلة شعرها لترى جيداً ما تقرؤه، هذه التي استوطنت الكلمات رأسها، وعلقت النظارة المائلة بزاوية عينيها، هذه التي تفكر وتقرر وتحلم وتطمح وتنجح.

تراكمت حولها الاستفهامات، لأنها لم تعد نموذجاً مطابقاً للصورة النمطية التي رسمها أحدهم ذات عصر، وسار بعده كل الناس على ذات الصورة، امرأة برائحة البصل وصابون الثياب وزيت الأطفال، بفرشاة الغبار التي تلازم يدها طوال النهار، امرأة تسكن المطبخ، لأنهم لا يرون فيها إلا طاهية ومربية أطفال وخادمة جيدة لبقية العمر، عدا عن كونها جارية مطيعة آخر الليل.

حين مر الكثير من الزمن، وتكومت كل تلك التصورات التي أسسها مجتمع متناقض، وجعلوا منها ميثاقا مقدسا، يحاسب بالحديد والنار من يخرج عنه، خرجت من العتمة قبسة من نور، امرأة نفضت غبارهم عنها، تحدت مواثيقهم، وأخرجت يديها لأول مرة من نافدة المطبخ، صار لها أفق أوسع من طاولة الأكل، وأحلام أكبر من ترتيب مناديل الطعام، صار لها كون من الأحلام بانتظارها، بمقاس يتسع لهذا العالم الذي يسكن أفكارها.

هذه الموؤودة في الجاهلية تحت التراب، وفي العصر الحديث وؤدوها تحت سقف، لا ترى منه إلا ما يرى ولاة أمرها، ولا تسمع غير صدى أصواتهم، هي لها صوتٌ أيضا، اتضح جليا أنها تملك أيضا وجهات نظر، ولها الكثير مما تستطيع أن تقدمه خارج أسوار معتقل القبيلة.

هي الناضجة فكراً، الحالمة أملاً، هي الفكرة الأولى لمعنى الثورة الأزلي، هي بذرة الحب التي يجب أن يراها العالم بصورتها الحقيقية، وبصوتها الأصيل غير المحرف.

إنها الوجه الجميل للحياة، هذي التي تقرأ وتعمل وتسافر وتبدع وتنظف وتطبخ وتنجب وتربي، هي الكائن القادر على نشر المحبة والفرح والحياة في كلّ زمان ومكان، هي منبع النور الوحيد الذي لا يجب أن ينضب يوماً.

لا تقتلوا بهجتهن، لا تصادروا أحلامهن، لا ترسموا لهن سلفا خط الحياة الأوحد الذي تعرفون، دعوهن يمشين إلى أقدارهن بأقدام ثابتة، بأحلام كاملة، وبإدراك تام بأنهن قادرات على الحياة والنجاح دون أن يكون لوصي الحق بتعديل مسار حياتهن.

هي أجمل حين تكون نفسها، حين تختار بذاتها، هي أجمل حين تكون امرأة كاملة بدون سطوة رجل.


  • 26

  • Ghanya Ahmed Lounnas
    أقرأ وأكتب وأحلم. حين يبدو كلّ شيء أمامك مستحيلاً، تأكد من أنّك في طريقك الصحيح نحو أحلامك.
   نشر في 11 يونيو 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Jenan Daadou منذ 7 سنة
أحببت صدق المشاعر فعلاً جميل أحسنتِ !
0
Maria Fleurista منذ 7 سنة
حقا انه من اجمل ما قرأت لقد التمستي احساس كل فتات مات بداخلها معنى الاستمتاع بالحياة عن طريق تحقيق الاحلام .............. وفقك الله لما يحبه و يرضاه
0
اخت غنية او غانية لا اعرف ، لكن ليتك كتبت اسمك باللغلة العربية ، اللغة التي استوقفني استخدامك لادواتها وتطويعك لحروفها بصورة بحق ليست رائعة فحسب ولكنها مدهشة ...هذا الاسلوب الرائع في الكتابة هو ما شدني لقراءة المقال اكثر من مرة .....غير ان رجلا مثلي قد يذهب الي ظاهر هذا المقال ويترك باطنه وكذلك قد تفعل بعض النساء الشرقيات بالفطرة....ظهر جليا تمرسك في الكتابة وخبرتك الطويلة في هذا المجال ...وفقك الله ..حقا هي اجمل حين تكون نفسها وحين تختار ...تحياتي لك
0
Chaimae Merji منذ 8 سنة
من اجمل ما قرات اختي الفاضلة.اسلوب و كلمات ما شاء الله
1
لمى منذ 8 سنة
أحيانًا يرى البعض أن ما يفعله هو الصحيح، ومن يمنعه من فعل ما يحلو له فقد سلبه حريّته، ولا يدرك أولئك أن من ينمعهم يريد مصلحتهم، ويتبعون معتقدات تدارسها أمم تكن لهم الغيظ والحسد وكرسوا جل وقتهم ليقنعوا من استهدفوهم بأفكارهم الفاسدة ...
نسأل الله السلامة، في النهاية أختي الفاضلة، التفاؤل حسن والحياة ليست سوداء كما نحسها من كتابتك، بل هي أجمل بكثير بأمر اسمه(القناعة) .
3
Ghanya Ahmed Lounnas
في النهاية يعيش المرء ليتعلم ويفهم الامور بشكل أوضح، والمهم دائما أن يجرب بنفسه، ويعيش حياته بنفسه، دون أن يكون للآخرين اي سلطة تقيده. لكل أن يختار الطريق الذي يراه مناسباً، والله أعلى وأعلم بالأفضل لكل منا. تحياتي لك، وشكرا على المرور الطيب.
فدوى منذ 8 سنة
شكرا على الكتابة الراقيه قصة سندريلا كانت وما زالت قصتي المفضلة عزيزتي الى الامام في الكتابة وفقك الله
2
Ghanya Ahmed Lounnas
هي الأجمل أكيد. شكرا على مرورك وعلى تعقيبك، سعدت كثيرا لذلك . تحياتي فدوى
أميرة أحمد منذ 8 سنة
رائعة كلماتك راقية واسلوبك واضح
قوية اكثر من وقع مقالتك علي نفسي
1
Ghanya Ahmed Lounnas
شكراً جزيلاً أميرة. من الجميل أن يكون الوضوح سمة برزة فيما نكتبه. تحياتي لكِ

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا