نعم ، تتغير نظرة الناس إليك حسب موقعك في الحياة ، لم أدرك هذا إلا بعد أن عملت في أول وظيفة
لم أعي هذا إلا قبل أربعة أشهر من اليوم ، لأنه لم تكن لي إلا صفة واحدة تحيط بي كالهالة وهي : طالب
هكذا كان ينظر الناس إلي ، طالب يعلمونه ويحفزونه إن كانوا أعلم مني ، طالب يناقشونه في مسائل علمية إن كانوا في مستواي ، طالب يشجعونه وربما يسألونه ما جهلوه إن كانوا أقل مني علما.
هكذا كانت أصناف الناس ونظرتهم إلي ، ثم اكتشفت صنفا آخر وقد ظهر بتغير الهالة التي تحيط بي من طالب إلى عامل ، فصرت عند بعض الناس مجرد عامل ، لا يسأل ولا يشجع ولا يناقش وإنما يؤمر وينهى .
في يوم من الأيام دخلنا مدرسة ابتدائية وكان دوري حمل الكتب والدفاتر ووضعها في قسم المدير ، كان المساء ، ظهر فينا التعب ، وشخصيا كنت أشعت أغبر ، نسيت قبعتي في السيارة فإذا بشعري يتخذ شكلا غريبا لم أنتبه له طبعا لأن همي الوحيد آنذاك هو إنهاء العمل كي أستريح .
قمنا بالمهمة كما يجب ، ثم أثار المدير موضوعا حول تردي اللغة العربية في زماننا ، وانتقد المناهج التعليمية ، ولما لاحظ أننا أصحاب لحى وهذا مظهر عندنا يدل على التدين ، قال لعلكم تعرفون شيئا من الثقافة الإسلامية دعني أسألكم ، وإنما كان غرضه أن لا نجيب كي يثبت ضعف المجتمع في لغته مما سيؤدي طبعا إلى جهله بمعنى ألفاظ قرآنية وحديثية .
سألنا عن الحديث الأول ، فأجبته ثم الثاني فأجبته ، فلما رأى طالب قانون يعمل معي فشل محاولات ذلك المدير في برهنة ضعف المجتمع لغويا عن طريق سؤالنا ، أخبره أني طالب بشعبة الدراسات الإسلامية ، ثم قال كلمة أيقظتني من غفلتي
" من بنظركم سيظنه طالب علم ، كل من رآه سيقول هو مجرد خادم"
منذ ذاك تنبهت وتفطنت لهذه المسألة ، وصرت أتمتع بالتأمل والتفكر في تعامل الناس معي كخادم ثم كطالب والعكس .
-
أنيس...
التعليقات
أحسنت أنيس.