"لقد بدأت أشعر بسكرة هذه الحياة الهائجة، وأخذ الدوار يصيبني مع هذه الوفرة من الموضوعات التي تعبر أمام عيني. ولا شيء ينجذب إليه قلبي من بين كل الأشياء التي تدهشني، ومع ذلك فكل هذه الأشياء تقلق مشاعري، فأنسى من أكون ومن أنتمي إليه"*
أغمض عينيك قليلاً، ربما يتوقف الدوار، تخيل أنك تقف على أرضية ثابتة، تشبث بالهواء.
هل قُذِفت عاليًا في السماء؟ يمكنك الطيران الآن!هل أُغرقت عميقًا في بحر؟ ادَّعِ أنك غواص ماهر..
تتلاحق الأحداث، تحملنا أمواج الحياة المتلاطمة، بين أعلى قمة وأعمق قاع نتأرجح. هذا الإحساس الدائم بعدم الأمان لا يمكن تجاهله طويلاً.
تستيقظ في الصباح الباكر، تؤدي أعمالك المحددة، تشعر أنك تخطو واثقًا نحو قمة ما. لا أسئلة.
تستيقظ متأخرًا، لا تريد النهوض من فراشك، ماذا تفعل في هذه الحياة؟ لا أجوبة.
تخاف قليلاً ثم لا تجد بدًا من الامتزاج بهذا الخوف، تقلق قليلاً ثم تجد نفسك جنديًا في جيش هذا القلق، تلتزم الحياد حتى تقتحم الحياة عليك منزلك، تقتحم غرفتك وفراشك. لا وقت للارتجاف.
حرب بلا أسلحة، لا خطط، لا وسائل دفاع، ولا أعداء ظاهرين. نحارب أشباحًا.
وعندما تمل البحث عن هدوء، تنسى الراحة، وتيأس من إيجاد أمنٍ ما، لا يبقى سوى البحث عن عزاء. بين اشتباكات الأوهام، مستترين في أعمدة الدخان المتصاعدة من الأدمغة، سابحين في بحيرات الموصلات العصبية، وسط كل الآلام غير المبررة يدخر المحاربون المنهكون بعض القوة للبحث عن عزاءاتهم.
حيث لا اعتبار للدموع ولا الضحكات، عالم من القسوة، يثيرون أحزانك وكأنهم يشاطرونك إياها فقط لتتعالى ضحكاتهم، يؤلمونك ليظهروا الدعم، ثم يُضحكونك لينتحبوا جميعًا. إنهم الأشباح.
لا تذكرون تلك اللعبة عندما يكون عليكم تقليد حركات أحدهم بينما يصف حركات مغايرة؟ ذلك الرجل الذي يطلق النكات بينما وجهه عابس لا بتحرك؟ الشخص الضاحك على الدوام بينما يقول كلامًا خطيرًا؟ وهؤلاء الحمقى الذين يراقبون مشتتين، لا يعرفون ماذا يصنعون؟
أتنتظرون أوامر واضحة؟ توجيهات صارمة؟ ربما تكتب لكم الحياة لوحات إرشادية!
لا شيء هنا واضح، كفوا عن محاولة الفهم! لا تستطيعون ذلك حتى؟
فلنتوقف قليلاً متألمين، محتجين، باكين، صارخين، منهارين، ثم لنبحث عن عزاء.
هذه الحيرة لن تنتهي أبدًا، هذه المعركة لن تتوقف أبدًا، ولن نحصل على أسلحة ولا أعداء. ما يمكننا أن نحصل عليه فقط هو العزاء.
يقولون يمكنك أن تملك مالاً أكثر بأن تقلل استهلاكك، يمكن أن تتقاذفك حوادث الدنيا بينما تبتسم ساخرًا؛ حيث لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، يمكن أن تستوحش الدنيا بينما تجد أنسك في صديق أو حبيب. يمكنك دائمًا أن تجد عزاءً ما.
العزاء الأخير دائمًا هو الإقرار بأن الأمور ليست تحت السيطرة، جهودنا عبثية كمحاولة طفل حمل حقيبة ثقيلة؛ حتى وإن ابتسم فخورًا بنجاحه في حملها، فإن والدته هي من تحملها بالفعل، بينما يمسكها فخورًا بيديه الضعيفتين.
-الاقتباس من رواية إلويز الجديدة لجان جاك روسو*
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية
نشر في 29 ماي
2017 .
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
مجدى منصور
منذ 4 شهر
د. محمد البلوشي
منذ 7 شهر
جلال الرويسي
منذ 1 سنة
ابتسام الضاوي
منذ 1 سنة
مجدى منصور
منذ 1 سنة
Rawan Alamiri
منذ 1 سنة
مجدى منصور
منذ 1 سنة
ما بين التثقيف والتصفيق فى الجمهورية الجديدة!
دائماً ما كانت «الأنظمة» تستخدم «المثقفين» للترويج لأعمالها ومشروعاتها(هذا إن افترضنا أن هذا النظام يمتلك مشروع بالفعل)، ولكن فى الماضي كانت هناك أنظمة «عاقلة» ومثقفين «موهبين» قادرين على الحفاظ على الحد الأدنى من «الاحترام» والمعقولية فى «الطرح» و فى مستوى
ابتسام الضاوي
منذ 1 سنة
مجدى منصور
منذ 1 سنة
محمد خلوقي. Khallouki mhammed
منذ 1 سنة