يسود الإعتقاد بأن هناك أفكاراً غير قابلة للبحث أو النقاش، و يؤمن الكثير بأن آراءهم صائبة مطلقة تمثل الحقيقة الثابتة،الشئ الذي يمنع الناس من دراسة و تأمل آراء الغير خصوصا إذا تعلق الأمر بالمفاهيم الفلسفية و النظريات العلمية التي قد تبدو متمردة و خارجة عن المألوف.

و هذا ما هو إلا قتل للفكر الإنساني و استهانة بالعقل البشري الذي كرم به الله عز و جل الإنسان، فالله عز و جل خلق الإنسان حراً و منحه الحق في اتباع سبل الوصول إلى ما يصبو إليه من معرفة و يقين، و الإسلام يؤمن بالتعددية الفكرية و يرفض أحادية الرأي و ينادي بالأخذ و العطاء و الحوار المفيد بين الثقافات , و يحث على عدم التعصب و قبول الرأي الآخر و احترامه , و لقد دعا أيضاً إلى أن ننظر إلى ما نسمع من أقوال , نظرة الناقد الواعي البصير الذي يستطيع أن يقيم الأمور تقييماً سديداً فنتبع منها ما يدل على الحق و يهدي إلى الخيرية و الرشد.و هو بهذا يكون قد حرر العقل من سيطرة التبعية العمياء و ربَّاه على حرية الفكر و استقلال الإرادة ليستقيم تفكيره و تكتمل له شخصيته و إنسانيته لأن كمال العقل و استقامة الفكر و حرية الإرادة هي أسس صحة العقائد و استقامة التدين، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم " ما اكتسب رجل مثل فضل عقل، يهدي صاحبه إلى هدى و يرده عن ضلال ".

من هنا نفهم أهمية الإعتراف بالحرية الفكرية لكل شخص و أهمية الإيمان عن علم و فهم لجوهر الحقيقة و ليس فقط الإيمان عن تقليد أو تبعية، و ندرك خطورة التعصب للمفاهيم و الذي يسبب الصراع و يقتل الفكرة لمجرد أنها جديدة أو مختلفة أو تابعة لتوجه ما أو شخص معارض. فالتعصب للمفاهيم سمة العقول المنغلقة التي لا تقبل الأفكار السامية، و تتسم بالمعارضة من أجل المعارضة دون بحث أو دراسة أو معرفة. و أصحاب العقول المنغلقة مبدؤهم التشبت بالمفهوم و الدفاع عن الفكرة على أساس أنها حقيقة مطلقة خالدة و ثابتة بغض النظر عن التطور أو التقدم الذي يمكن إحرازه، و فكرته تتلخص في:" ما تؤمن به يوم الإثنين عليك الإيمان به يوم الأربعاء بغض النظر عما حدث يوم الثلاثاء ". و هذا ليس من المنطق في شئ فتجاوب الانسان و مسايرته للتطور الزمني كفيلة بتغيير إدراكاته و قناعاته، و هذا ما هو إلا جمود فكري يقتل روح الإبداع لدى الإنسان يجعله منقاداً لتيارات فكرية من دون قناعة أو علم، فالعقل أداة الإنسان السامية من أجل إنتاج المعرفة ، و المعرفة ما هي إلا مجموعة من الأفكار الجريئة و العميقة التي خضعت للدراسة و التجربة، و هذه مهمة العقول العظيمة، فأصحاب هذه العقول يجربون ١٠٠ فكرة للحصول على فكرة واحدة، في حين أن الصنف الأول (العقول المتزمتة) لا يقبلون أية فكرة جديدة بل يسألون فقط عن الفكرة التي تعمل و كلما يريدونه هو الحلول السريعة.

إن انغلاق الفكر و عدم إعمال العقل أدى إلى اضطراب في المعتقد الإنساني ليس فكرا فقط بل حتى في المستوى الديني، حيث أن التعصب خلق تيارين معارضين، تيار متطرف يترأسه أناس نصبوا أنفسهم حماة للدين و قادة للناس من دون السماح لهم بأن يختاروا أو يٌفكروا، و كل من لا يؤيد فكرهم و توجههم فهو كافر مرتد، و من ثم استغلال الدين لأهداف و مصالح شخصية مما جعل فكرة العالم عن الدين فكرة مشوهة و خاطئة. و هناك تيار آخر ينظر إلى الدين على أنه تخلف و رجعية و أنه لا يمكن أن يساهم في نهضة و ازدهار الانسان، فساهم هذا التيار في نشر الإنحلال الأخلاقي و المجون.

إن أصل العلة في التيارين اللذان يعتبران كلاهما تطرفاً و تعصباً هو رفض كل منهم تقبل الفكرة الأخرى و الرأي المخالف منحازين إلى الايمان المطلق بقناعاتهم الشخصية بعيدين كل البعد عن مقاصد الشريعة و منهجها الوسطي الذي يكفل للإنسان الحياة الحرة العظيمة و تعترف له بحقه في التفكر و التدبر ..

. الأفكار قابلة للتغيير و المفاهيم أيضاً متغيرة لا توجد فكرة صائبة بصفة مطلقة و لا توجد فكرة خاطئة بصفة مطلقة: *فرأيك صائب يحتمل الخطأ، و رأيي خاطئ يحتمل الصواب*. كن مرنا في التفكير و تقبل الاختلاف فذلك سيساعدك على أن تعيش حياتك بسلاسة و سهولة و خذ كل فكرة جديدة تصادفك على أنها بحث علمي و ابحث فيها ، محصها، ادرسها فالبحث عملية جميلة و ممتعة تخرج دائماً بفوائد جديدة و توسع إدراكك، كن عظيماً كما أراد خالقك أن تكون. ابتعد عن التفكير العادي و النمطي، تخلى عن التفكير في الممكنات و أسعى إلى ما وراء الظاهر لتنهل من ينابيع الحكمة و تسمو بفكرك إلى أعلى درجات الوعي و الرقي.

يقول أينشتاين : *بينما كان الناس يفكرون بالممكنات، كنت أفكر بالمستحيلات*. حرر عقلك ووسع إدراكك للحقائق، تجرد من ذاتك و كن موضوعيا في تحليل الفكرة، لان التفكير الصحيح ينبني على حرية العقل و هو الوضع الذي يختفي فيه الحكم المسبق و يزول فيه الخوف من فهم ما هو مختلف ..

#أيوب_الغازي