يعتبر المال عماد الملك و الامتلاك، هو كم ثمين : العدد أدواته و التضخم شعاره، يجالس الأسياد و يقهر العبيد و الفقراء، هو كالزئبق، ينفلت إن أنت أردت جمعه، و يشبه الوقت إن حاولت لمسه.

عجيب أمره : لغته أرقام، و شكله أحجام، و بشرته ألوان و صلبه مادة، أما قيمته فتختلف حسب جنسياته، و من صفاته الذاتية : أنه أخرس و أصم و أعمى، بحيث لا يهمه من تكون و لا يعي ما تقول أو ما تفعل و لا حتى يستطيع أن يعدك بشيء ما، قد يتوهم بعضهم بأنه سيده لزمن معلوم، لكنه ما إن يلمس بعضهم البعض، حتى يصير المالك مملوكا، فتنقلب الموازين و يزهق حق الحاق و ينتصر الباطل، و قد يصل الخلاص على أجنحة الحظ، فيملأ السماء بهجة و فرحا.

أما صفاته المعنوية: فإنه يبدو للعيان و كأنه جامد الإحساس، يغفل بعضهم كذلك على أنه عالم حي، ذا قوة غريبة، يستمدها من كل من أقدم على الاقتراض منه أو كل من جعل منه الهدف الأول في حياته، غالبا ما كان المال يحتقر معاملة بعضهم له، بحيث يدوس على كبريائهم، بلا مبالاة، إلا أنه بوفرته تنشرح الصدور، فتحضر السعادة بين أيدينا، لكنها ليست كتلك التي تقيم بكنز ثمين، و لا هي ما يعادل صفقة نادرة و لا هي أيضا قسطا من إرث طائل، بل هي و بكل بساطة تلك الطمأنينة للنفس القنوعة...فهو و إن كان وسيلة وصول غاية ما، فإنه غيور على من كانت القناعة لسانه، يجد حريته عند كل من عمل خيرا، كما يشعر بقدره عند قضاء حاجة ما. للكم ميزان و للكيف عين و عقل سالمين، فيجب على من أراد السيطرة عليه أن لا يثق به، أو أن يجعل منه صديقا حميما.

ثم إن المال ليس بسهل المنال، فحينما تظن أنك أصبحت سيده، يحتقرك لأنه يبحث عن استقلاله بأي وجه كان ولو اتسخ بالأيادي البخيلة أو القذرة منها، و قد تجده كذلك يسارع لكي يستحوذ على عقول بعضهم لا لشيء، إلا لأن يحس بلذة نشوة سيد الموقف، و بالتالي لجعلهم ملك قبضته، فياله من جحيم.