عشاء في قصر البارون(2)
بهذا الكتاب رسائل بليغة من الماضي وكلمات تردد صداها في ذاكرة التاريخ كثيراً، كما يشمل على حروف تتهاوى ما بين الماضي والحاضر
نشر في 19 ماي 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
وصل "سامي" القاهرة مع مجموعة من الزملاء ومكثوا في النُزل لمدة يومين وقد عانى "سامي" خلالهم بالدوار الشديد، ثم في مساء اليوم الثالث بدأوا يستعدون للذهاب إلى قصر البارون.
ارتدى "سامي" بدلة سوداء اللون وصفف شعره للوراء، كما أكثر من وضع العطور الفرنسية، وعند وقوفه على باب القصر شعر أن القصر بحاجة إلى الاهتمام من وزارة السياحة والآثار ثم قال لزميله : نحن أمة أهانت ماضيها فأهانها الحاضر.
دخلوا القصر وإذ بمائدة عشاء كبيرة جدا تمتد من يمين القصر إلى يساره، وتحتوي هذه المائدة على جميع المأكولات والمشروبات البلجيكية، وكان حول المائدة نخبة من المثقفين والباحثين والمهندسين من مختلف الدول.
افتتح العشاء المهندس المعماري الهندي "جايان كومار" بخطاب قصير يرحب بالضيوف، وقد ذكر في خطابه التماثيل الهندية التي ملئت القصر و التي استلهمها البارون إمبان من معبد "أنكور وات" في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية و عندما انتهى من خطابه دعا الضيوف للعشاء.
أثناء تناول الضيوف العشاء تسلل هواء ساخن إلى المائدة فشعر البعض منهم بالتوتر وذلك لأن قصر البارون له تاريخ من الأحداث الغريبة والمخيفة، لهذا أنهوا العشاء سريعاً وخرجوا من القصر، وبقي البعض منهم داخل القصر لرؤية التماثيل والتصاميم الهندسية ومن بين هؤلاء كان سامي.
بعد مرور يومين طرق باب منزل المهندس "رامي" في بيروت فتحت زوجته الباب وإذ بسامي يتكئ على شابان أمام المنزل.
قالت لهم: ما حل بولدي هل هو مخمور، قاما بإدخال "سامي" إلى غرفته ثم قالا لها : لا ندري ما حل به يا خاله، هو هكذا منذ خروجه من قصر البارون حتى أن جميع كلامه هذيان ولم نفهم منه سوى كلمة "داليدا"، أجهشت أم "سامي" بالبكاء ثم اتصلت على زوجها ليأتي إلى البيت سريعا.
رأى "رامي" ابنه "سامي" في حالة هذيان عميقة ثم بكى وقال: قلتُ لكم ......قلتُ لكم القصر ملعون وها قد أصابته لعنة البارون، تباً للقاهرة وتباً للهندسة وتباً للأثار فبسببهم خَسِرتُ ولدي الوحيد.
ظل "سامي" على هذه الحالة مدة ثمانية شهور كاملة وقد عجز الأطباء خلال هذه المدة في علاجه، فقررت أم "سامي" أن تذهب إلى راقي شرعي ليعالجه بالقرآن.
ذهبت في اليوم التالي إلى راقي يُقيم في جنوب لبنان ثم أخبرته ما حل بسامي كما وطلبت منه المجيء معها لرؤية "سامي".
استجاب الشيخ لطلبها وذهب معها إلى البيت، ثم بعد مدة قصيرة بدأ بالتحدث مع "سامي" ودار بينهما الحوال التالي:
"الشيخ": كيف حالك يا "سامي" من ماذا تشكو.
"سامي": هل تعلم يا شيخ أن سندريلا كاذبة.
"الشيخ": حقاً بماذا كذبت.
"سامي": عندما قالت أمام الأمير أن الحذاء على مقاسها تماماً ولكنه لم يكن كذلك لأنه بعد منتصف الليل عادت سندريلا إلى منزلها بسرعة كبيرة ووقع منها الحذاء بالطريق لهذا لا يمكن أن يكون على مقاسها هي كاذبة.
"الشيخ": حسناً لا شأن لي بها أخبرني عنك أنت.
"سامي": هذه القضية أهم من تابوت العهد حتى.
جلبت أم "سامي" الماء للشيخ وقالت له: كما ترى كلام "سامي" جميعه هذيان بهذيان كما أنه يردد أسم "داليدا" باستمرار ، كيف لنا نزع لعنة القصر منه.
قال لها الشيخ: لا... لا يوجد لعنة أو شيء من هذا القبيل سأقرأ عليه الرقية الشرقية وأرى ما به ولكن أريد أن اسألك من "داليدا" هذه.
ردت عليه.. لا أعلم فتاة اسمها "داليدا" سوى جارتنا، ولكن لا نراها إلا بالمناسبات كما أن علاقتنا بعائلتها رسمية جداً، وأظن أن "سامي" لا يُطيقها.
بعد مكوث الشيخ ساعتين مع "سامي" خرج من الغرفة وقال: لأم سامي اتصلي بزوجك الآن ليأتي إلى هنا سريعاً واتصلي بالمقربين أيضا سأريكم شيء فقد علمتُ ما حل بسامي.
بعد نصف ساعة اجتمع الجميع بالمنزل وإذ بالشيخ يريهم سحر أسود أصيب "سامي" من خلال ورقة رُميت على شرفة غرفته قبل سفره إلى القاهرة ثم قام الشيخ بفك السحر أمام الجميع ومعالجة "سامي" وقد تبين أن "داليدا" جارة "سامي" هي من فعلت ذلك قبل سفره بيوم لتنتقم من تجاهل "سامي" لها.
شُفي "سامي" تماماً وعاد إلى عمله وحياته الطبيعية، أما "داليدا" قد تم زجها بالسجن بعد اعترافها.
ذات مساء عاد "سامي" إلى البيت مُتعب فوجد أمه جالسة تشاهد فيلماً لعبد الحليم حافظ، فوضع رأسه على كتفيها وقال لها: ما رأيك أن نسافر إلى القاهرة وأريكِ جمال القاهرة كما وأريكِ جمال قصر البارون، أقفلت أمه التلفاز وقالت له: لا... لا... كل شيء إلا وقصر البارون هذا.
قال لها: لا يا أمي لا تخافي... حسناً سأقوم بأبحاث عديده وطويلة لأفك سر هذا القصر ولن أتراجع حتى لو أصاب عظمي الوهن.
بعد مرور سنوات طويلة من العمر جلس "سامي" قرب المدفأة والوهن قد أصاب عظمه والشيب ملئ رأسه، وأثناء جلوسه قام باستدعاء حفيده "سامي" ثم قام بإعطائه مسودة من كتاب يشمل على خمس مئة صفحة قام هو بكتابتها بخط اليد، ثم قال لحفيده: بهذا الكتاب رسائل بليغة من الماضي وكلمات تردد صداها في ذاكرة التاريخ كثيراً، كما يشمل على حروف تتهاوى ما بين الماضي والحاضر، وقد سميته ( سر قصر البارون) ثم أوصى حفيده بنشره وتوزيعه.
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل
التعليقات
شكرآ لمشاركتنا لتلك القصة النادرة