تسلل والدي إلى غرفتي دون أن أراه، بسبب انشغالي في رسم إحدى اللوحات، وما هي إلا ثوان حتى صرخ : صرصور صرصور..
قفزت من مكاني لأصعد فوق سريري. وأنا اقفز كالبهلوان، من يراني يحسب أنني أعد عرضا للسيرك.
توقفت عن الحركة بعد ما رأيت والدي ملقى على الأرض يمسك بطنه من كثرة الضحك
كدت أبكي من حيله التي لا تنتهي. لكنني تريث ورحت أتأمل قسمات وجهه، ملامحه والطريقة التي يضحك بها.
لقد بدأت التجاعيد ترسم خطوطًا حول عينيه وفي جبهته. أما الشيب فقد غزا شعره الأسود. لقد بذل كل ما بوسعه وقدم لي كل ما يملكه.
لا أعلم لما خالجني شعور بالأسى والخوف مما هو قادم، أخاف أن أفقده كما فقدت والدتي.
وحرصا مني على ألا أقلب المشهد الكوميدي إلى دراما.
قلت بغضب مزعوم : أبي كفاك ضحكا،,إنك تستغل نقاط ضعفي كي تستمتع،لن أسامحك.
ثم أوليته ضهري دلالة على أنني منزعجة.
وضع يده على كتفي ثم قال بحنان : ما بال صغيرتي منزعجة ؟
رمقته بنظرات لا يفهم معناها أحد غيره وقلت : وكأنك لا تعلم. ثم التقطت اللوحة التي كنت أرسمها من على الأرض، وأشرت له لينظر اليها واردفت قائلة: أنظر لقد ضاع تعبي بسببك، ألن تتوقف عن ذلك.
قال والدي : حديقتي لا يوجد بها وردة غيرك. ومن حقي أن ألاعبك وأهتم بك .
ارتسمت ابتسامة امتنان على شفتاي لأرتمي بعدها في حضن والدي مستمدة منه الأمن والقوة..
ربت على رأسي ثم قال مازحا لديك فائض في الحنان هذه الأيام دعينا نصدره لجارتنا العجوز لعل قلبها يلين وتزوجني من وحيدتها.
رمقته بنظرات شريرة ثم أمسكته من أذنيه لأجعله ينحني لمستواي و أنا أقول : ماذا لو أخبرت جدتي بمخططاتك. أظن أنك لن تنام بالمنزل الليلة.
قطب والدي حاجبيه ثم قال : ظننت أننا أصدقاء.
هززت رأسي بالإيجاب ثم أردفت : نحن كذلك، وأنا أحبك ولن أقبل بأن يدخل بيننا غريب.
ما إن أنهيت كلامي حتى حملني والدي على كتفه كالعادة وهو يقول هيا حان وقت الغذاء، إلى الحمام نظفي يديك واتبعيني إلى طاولة الطعام قبل أن ألتهم طبقك المفضل.
هذا هو وحيدي هو أمي وأبي، صديقي وأخي، مذ توفيت والدتي وهو إلى جانبي، صحيح أنني أشتاق إليها بين الفينة والأخرى لكنه يبذل قصارى جهده كي يعوضني فقدانها.
-
soumia kartitطالبة باحثة بسلك الماستر، تخصص الجيوماتية وتدبير التراب، رسامة وكاتبة هاوية..