أين الشغف ، من أين يشترى !
هذه هي المسألة التي أحتاج إلى الكثير من الوقت كي أجد لها حلا ، أو ربما لا أجده .. هنا ، في هذه المساحة التي يمنحها لي مقال كلاود جئت لاضع تنهيدتي الأخيرة بدلا من الصراخ المستمر في وجوههم فقد سئمت الكثير من الكلمات في مربعات الشات الضيقة ، لاول مرة منذ خمسة أعوام أشعر بضيق المربعات الكتابية الموصلة ببيني وبين العالم .. لكنها ليست أول مرة ألعن فيها من كان سببا لوضعي في الصندوق الزجاجي المغلق .
لماذا ؟
لماذا استيقظت من نومي في هذا الصباح الذي حمل لقلبي التساؤلات الوجودية الحارقة تلك ؟ وهل ستستمر هذه الحمى التي كادت تفتك بي ؟
أشعر برغبة في كتابة كتاب عنوانه " رحلة البحث عن نفسي " لكنني حتى الآن لم أستقر من أين سأقلع ، أين تقع نقطة الانطلاق التي ستوصلني لنفسي فعلا ، هل انطلقت دون علم مني ام أنني لم أفعل ؟!
أحيانا يقولون لي انني بالفعل على الطريق لكنني لا أشعر بذلك ، ينتابني فزع كلما وضعت رأسي على وسادتي كي أغفو فأجدني غارقة في اللاشيء ، صدقا أغرق في اللاشئ ، فراغ لا لون له يحتوي روحي ، لا شوق لاحدهم ولا حلم أرتب خطوات وصولي اليه ولا طفل يؤرقني بمستقبله القاتم او الباهر لا يهم .
وحين توجهت بالسؤال إليهم .. لم أجدالصيغة المناسبة للطرح
ظللت أشرح أمثلة كثيرة .. أحتاج الى دافع يوقظني من السبات ، أحتاج الشمس التي تطرق باب عيني فأحلق باكرا في السماء ، أحتاج صوت الفجر كي أؤذن كالديكة ، أحتاج الخوف الذي يدفع الرجل نحو عمله والام نحو تربية الابناء والابناء نحو دراستهم ولعبهم وممارسة هواياتهم الصغيرة ..
وأسأل نفسي هل سمع أحدهؤلاء الذين أتمنى ما لديهم من شغف انه مالكوه أصلا !
هل يدرك الرجل سر الحياة الكامن في اصراره على مواصلة السير ؟ هل تعي الأم قيمة ما تفعله ، هل استوعب الاطفال سر دهشتهم الممتعة أمام الحياة كلما كشفت عن وجه من وجوهها الممتعة او المؤلمة ؟ ويصدمني هاجس غبي أنهم لا يعلمون شيئا .. وتدق في رأسي عبارة شهيرة قد أكون أنا مؤلفتها لا أذكر أين سمعتها حقا .. "لو أن الفراشة ترى جمال أجنحتها ما حلقت حول النار " .. أتراني فراشة تحلق باحثة عن النور دون أن تدري عن جمال أجنحتها شيئا ؟! حين أعود إلى طفولتي فأجدها فارغة خاوية أفهم انهم لم يفكروا فيما يؤرق حياتي الآن .. لا أحد يسأل نفسه ما الغاية من كل ما نفعل وما الدافع وراء ما نفعل ، لا أحد يشغل عقله بما لا جواب له ولا فائدة من الجري وراء الحصول عليه .. هل هو فراغ فعلا ام انه يجب ان نفكر بهذه الطريقة ؟
كل اللذين سلكوا طريقهم نحو الفلسفة ، الوجوديات ، الحقيقة الاولى في هذا الكون تقريبا بدأت رحلتهم من سؤالي الذي لا أجد إجابة له ولا أشعر أنني أنطقه بصيغة تمثله حرفيا ، ما الغاية من وراء ما نحن فيه من حروب وشجارات ؟ ما الغاية مما نحن فيه من قصص حب ودوامات فراق و ألم ، ما الغاية مما نحن فيه من صراعات دينية وأخلاقية وعقائدية ؟!
تحملني مسألتي إلى السؤال الذي ستطرحه إجابات معينة تقول بلغة رصينة وصوت رخيم " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " هذه هي الغاية إذن .. كيف يا رب ؟ كيف يعبدون ؟ هل العبادة هي الصلاة والصوم فقط ؟ لكن .. عمارة الارض ، الخلافة ، التغيير ، كثير من العناوين ، كثير من الأِياء التي تحتاج إلى الرغي ، بدت مقالتي تنحو منحى ركيك وثقيل .. لكن الصراع الذي أحاول كبحه -كي لا أكتب أشياء تؤخذ مأخذا غير صحيح عليّ - لا يرحمني ، يظل ينهش عقلي فأضطر للتسكع على صفحات الفيس بوك كي لا أواجه نفسي في لحظات التأمل العابرة .. أهرب من المكوث أمام كتاب يجعل الهوة المشتعلة بداخلي تتسع ، فحتى القراءة اليوم أصبحت تحتاج إلى دافع قوي يجعلني أتحمل اتساع النار بداخلي لاتمم كتاب أو رواية كل على حد سواء ..
كل الافعال التي لابد ان تكون ممتعة لاصحابها باتت تحتاج إلى محرك ، فمفاتيحي كلها صدأت ، كل مبررات التفاني في القراءة / الكتابة / الضحك / رسم البسمة على شفاة الآخرين أصبحت لا شئ ، فما الغاية من كل ذلك ؟
لماذا وقعت في هذا السؤال السيء ، هل هو مجرد كسل ؟ تكاسل ؟ خذلان ؟ اكتئاب ؟ هب أنها كل الاختيارات السابقة معا ، أين السيل ؟! من أين أنطلق نحو ممارسة حياتي الطبيعية كأي شخص طيعي يقرأ ويكتب ويبتسم ؟
إن ما يجعلني أشعر بالحزن ليس فقط كوني لا أملك الآن أي دافع للمضي قدما في أي فعل انساني ، ولكن الحزن ينبع من كوني لا أجد من يفهم علتي ، يسمعون إلي وعيونهم غير مستوعبة لما أقول ، آذانهم لا تفقه لي حديثا وكلماتهم لا تحمل لي إي إشارة حيّة .. أهي خيبة جديدة حلت عليّ وتملكت مني ، خيبة أكبر من خيباتي الكثيرة السابقة ، أم هو الموت يطرق بابي على مهل ويأكلني برفق قطعة قطعة وقد عزم العزم على التهام عقلي وهمتي أولا ..
لا أجد خاتمة ، لا أريد كتابة خاتمة فهذه ليست مقالة ، وهنا ليس إلا سؤال لم أنتهي من طرحه أو إخراجه من صدري بالكامل ، كل ما زفرته هنا في هذه الصفحة مجرد عنوان طويل لعاصفة تقتلني كل ليلة ، كل دقيقة أواجه فيها نفسي ، كل مرة أشاهد فيها دماء القتلى في كل مكان على الشاشات وصفحات التواصل الاجتماعي ، كل مرة أشرع في كتابة رواية او قراءة كتاب ..
-
ياسمين حسنباحثة عن النور الذي على هداه قد أجد نفسي ! * بين الذكر والذكرى *
التعليقات
لانهم ركزوا جل عملهم على المضمون اما المتأحرين اليوم فلهم عناوين رنانة و افكارهم لا تتجاوز مشاعر المراهقين
شعور صعب لا اعرف هل هو عجز ام ان هناك نهايات لا تنتهي
يوم موفق للجميع =)
شخصيا ، مواجهة لهذه الحالة أحاول أن أكتب و أبسط و أوضح ما أقدر عليه من مواضيع مختلفة تشغلني عن الإكتفاء بالجلوس أو الإستلقاء منتظرا متى تفيض روحي لخالقها .
نصيحتي إليك إن قبلتها أن تبدئي من النقطة الأساسية التي يدور حولها كل شيء ، البداية ( من أين أتيت ؟ )
هذا كتاب كان من نتائج الحالة التي نتشاركها آمل أن يفيدك و لو قليلا : http://bit.ly/296kz6h
وهذه مرحلة من التفكير يمر بها كل ذي عقل ، لكن منا من يلتفت إليها و يفكر فيها من أمثال الفلاسفة ، والملحدين ، ومنا من يخلفها وراء ظهرة خوفًا من الدخول فيها ومقاساتها ، لأنها حقًا مرحلة صعبة وتحتاج إلي يقين حقيقي
لذا انصحك أن تضعي هذة الآية نصب عينيك { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) } النحل ، أثنا مرورك بهذه المرحلة حتي تصلي إلي اليقين الحقيقي .
وجدت في كتابتك و تساؤلاتك شيءًَ مني
أعلم جيداُ أن التساؤلات تكون جد مرهقة خاصة عندما لا نجد شخصا يفهمها و يتشارك معنا تلك التساؤلات ومعاناة البحث
أريدك أن تتأكدي أن كونك تتسائلين فهذا دليل على أن المجتمع والروتين و العقل الجمعي لم ينجع في "فرمطتك" و تشكيلك على هواه و هذا مؤشر جيد و مفرح
المهم الآن هوأن تجد بعض الأجوبة لتساؤلاتك، شخصيا ما كان يخفف من عبئ تساؤلاتي هو قرائتي لبعض الكتب خاصة د مصطفى محمود مثلا كتاب" هل هو عصر الجنون" أو برامج ومقالات و كتب د أحمد خيري العمري،أو بعض البرامج خااااصة برنامح "رحلة اليقين" للرائع معز مسعود أجاب عن كثيييرمن تساؤلاتي و حيرتي التي لم أستطع مشاركتها للقريبين و ترك في نفسي الكثير
بوحك و فضفضتك عن طريق الكتابة رائع استمري
مودتي
و طبعا شتّان بين الجنّتين في باقي الأمور..حيث لا عين رأت نعيما مثله و لا خطر على قلب بشر..