كانت أُمنية..و بعثتُ بها مع أدراج الرّياح٠٠تبحث عن أمل..
الجزء الأوّل
نشر في 26 أبريل 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أُطفأ النّور و ساد الظّلام ،تركتُ البيت هنيهة لأستمتع بالنّسيم العليل و النّاس نيام ،تطلّعت عيناي الحائرتان إلى الأفق كأنّهما تودّان قراءة كلمات خُطّت على مصابيح السّماء، حوّلتُ نظري هنا و هناك..إلى اللّيل و قد أَسدل السّتار على النّهار ، و إلى النّجوم الوضّاءة و قد زيّنت السّماء كأنّها حبّات عقد إفتتنت به الحسناء..و إلى الورود و قد أغلقت بابها على نفسها لتأخذ قسطا من الرّاحة قبل إشراق فجر ربيعي جديد..
حاولت أذناي أن تصغيا لما و لمن حولهما و لكنهما لم تسمعا غير خرير المياه الرّقراقة ، و تغاريد البلابل المشجية على أغصانها الميّادة ..
في وسط هذه الطّبيعة الخلّابة ليلا و هذا السّكون الشّامل راح عقلي يرسم على لوحة مخيّلتي عالما خاصّا به ،عالم يحلم به كلّ من يحمل بين طيّات صدره قلبا رحيما ..طموحا..مؤمنا..
كأنّني أمشي في طرقات بلادي و أنا أتأمّل وجوه النّاس ، فلا أرى سوى عيونا ملئ بالنّشاط و التّفاؤل..
و شفاه مبتسمة كأنّها ورود ظهرت أوّل الرّبيع..
ثّمّ ينجذب نظري نحو إمرأة قد فاضت مقلتيها دموعا ..تحمل طفلا رضيعا قد ضعّفت الحمّى أطرافه
و انتشر الطّفح على جلده..أقترب منها و أنا أظنّ أنّها تحمل أكواما من الأسى..
-لا تجزعي يا هذه فإنّ الشّافي الله.. تنظر إليّ نظرة المعلّم إلى التلميذ..و هي تقول
-إذا ما أتاك الدّهر يوما بنكبة..فافرغي لها صبرا. ووسّعي لها صدرا.فإنّ تصاريف الزّمان عجيبة..فيوما ترين يسرا و يوما ترين عسرا..و أردفت تقول..
-أنا لم أجزع و لكنّني بكيت و البكاء رحمة..
و يُسدل السّتار على الفصل الأوّل من أحداث عالمي الخاص لأعود إلى واقعي المرير الذي أصبح فيه السّائر في طريق الحقّ غريبا..
الظاهر أنّني لم أعد أطيق صبرا على غياب عالم مخيّلتي..فكلّما نظرت إلى شيئ من حولي ،إستقرّت عيناي فيه حتّى يظهر عالمي الجديد من خلاله..و هناك أرى و أسمع ما يسرّني و يخفي بين أضلعي سعادة لا مثيل لها..
******
رُفع السّتار ثانية..إنّني الآن في ميدان عمل..ألقيت عليهم تحيّة السلام..و هل هناك شيئ أجلّ من أن يتمنّى الإنسان السّلام لنفسه و أهله ووطنه؟؟
أحسستُ بالسّعادة تغمر قلبي و أنا أجوب نواحي المكان..ما من مكتب دخلته إلاّ و أحسستُ بالنّشاط يدبّ فيه..هذا يمدّ أوراقا لذاك..هذا يمضي و ذاك يراجع..هناك من يكتب..لا أدري ماذا ،و لكن يُخيّل إلى النّاظر أنّه من شدّة ما هو منشغل و مهتمّ بما يكتب..بأنّه إنّما يحرّر قصّة حياته..
ها هو الآخر يملي أوامره بلطف و أدب..لا لتنفّد بمعزل عنه ،إنّما ليمدّ يده إلى أيديهم لتكون يدا واحدة.
كلّ شيئ يحدث بسرعة،كأنّما هناك من هو قادم ليختبر مدى قدرتهم و دقّتهم و سرعتهم..
و لكن ..لا..هذا هو دأبهم و عهدهم مع الوقت ،إذ قالوا..يا وقت أنت كالسّيف إن لم نقطعك قطعتنا..فو الله لنقطعنّك قبل أن تصل إلى الرّقاب. . .يا حسرة على العباد في عالمنا نحن..إنّ السّيف لم يصل إلى الرّقاب فحسب ..بل فصلها عن الأجساد أيضا..