قصة لكلٍّ ثمانية هي  من رحم عقل  طفل من شمال المنطقة أصوله إسبانية وهو ذو ثمان سنوات كان جميلا ومهذبا كما أنه شاعر صغير ومحبٌّ للشعر و قوافيه

بحكم طبيعة عملي فقد دخل إليَّ كأي مريض مستعجل ..حالته مستعجلة فرأيته للوهلة الأولى شارد الذهن ويتكلم كشخص راشد لا كطفل !

مازحته قليلا فنظر لي ثم عضَّ على كف يده اليسرى لكي لا يبكي !

كان المنظر غريبا على مثل سنه فوقفت أمامه عاجزة عن جعله يتحدث ثم مرَّت ثواني ونظرت له فوجدته يردد " لكل ثمانية !" 

بينما أنا منشغلة بتقريره الطبي علِمتُ من مرافِقته وكانت رفيقة أمه أن العائلة قد وافتها المنية في حداثة سير وهو الناجي الوحيد كان منظره يشبه أي شخص فقد وطنه أو حبيبه ..كان منهزما بشدة ومكابر بطريقة غريبة !

جلستُ بجانبه فمسكتُ يده وسألته :

- عزيزي ما إسمك ؟!

نظر لي بعيون بها خسارة كبيرة وسكت !

ثم رأيتُ مخاضاً لحزنه ينزل على خديه كنهر لا ينتهي ..بكى ثم بكى وكان مصدوماً من صورة لا تفارقه منذ أن دخل إلى قاعة المستعجلات !

كان يبكي ويعضُّ يده اليسرى كي لا أسمعه يبكي بشهقة الخسارة فجعل من معه يبكي ثم قال لي وهو يتنفس بصعوبة : 

- أنا إبن الثمانية ..تقول أمي أنني لستُ إبن  التسعة أشهر !

حاولتُ مجارات الحوار معه فقلت له وكلي أسف :

- ما إسمها عزيزي :

لم يجب ..كان مصدوماً بشدة ثم حاولت التحدث لمرافقته فقالت لي : 

كانت جثة أمه أمامه فرأى ما رأى ولم يبكي سوى هنا !

إقتربت منه ثم طبعت على جبهته قبلة نيابة عن أمه فمسك بيدي وبدأ يتحدث بكلمات متقطعة وقال : 

أمي ..أمي !

تعاطف الجميع معه ثم بعد برهة قال لي :

هل أعطي لأمي من ثمانية أشهر اربع اشهر لكي تعيش ؟!

قلت له مواسية : 

كيف عزيزي ..!

قال : 

أموت انا ونلتقي وأقسم معها الاربع أشهر

ثم سكت مجددا ..كأنه كبر فجأة !

مرَّ يومان وجاء لي للفحص الاخير فكانت بيده ورقة فمدَّ يده لي وأعطاني تلك الورقة :

كانت ورقة بها رسمة لعائلته وللحادث كما رأيت ثم قال لي أمي كانت تعلمني بعضا من الشعر سألقي لك بعضا منه  رغم أن الثمانية هي حياتي ولكن أمي تقول :

ثمانية تجري على الناس كلهم ..ولابد للإنسان أن يلقى ثمانية 

سرور وحزن واجتماع وفرقة ..ويسر وعسر ثم سقم وعافية .

لم تقل لي أمي لمن هذا الشعر ولكنني عشقت الثمانية ولكل نصيبٌ منها 

لكل ثمانية .

-