"تلك المرة كانت مختلفة..
القصف بالخارج على اشده، منذ ايام و المدينة لا تنام،اشتعلت النيران في اماكن متفرقة، و انهارت معظم البيوت ،حتى اضطررنا اخيرا لمغادرتها، فى ظروف اخرى اظننى كنت لابكي، اصرخ، بل ربما ارفض مغادرة غرفتي الحبيبة، اما الان فكل ما فعلته هو ان اسرعت ابحث عن غطاء راسي الازرق، و دفتر صغير احتفظ به ،و هاتفي.
كان صوت ابي يصل الي يحثني علي الاسراع، فانطلقت اليهم مندفعة؛ لاتعثر اثناء نزولي السلم، سقطت الاشياء من يدي ،و بدات اشعر بالمبنى ينهار تحت اقدامي، لكني لم استطع ترك اغراضي، مددت يدي نحو الدفتر ، و لم يسعفني الوقت فودعت هاتفي غير اسفة، المهم ان دفتري ها هو معي،ضممته الي قلبي و من ثم واصلت رحلة الهبوط من البيت الذي حمل بين جدرانه ذكرياتي السعيدة ، و التعيسة ايضا.
كان علينا المغادرة الي حدود المدينة، حيث الامان، و ربما تفتح لنا البلاد المجاورة معابرها فنغادر ارضنا، هذه الارض التي لم اعرف غيرها،لاعيش كلاجيء الحروب في بلد لم تلفظ اهلها كما فعلت حكومتنا، من قال ان الاوطان تمنحنا هويتنا، و لا ننتمي لسواها؟
الان ادرك زيف هذا الاعتقاد، الوطن ليس اكثر من ارض، اما الهوية فهي اكبر من ذلك، ان وطنا يعيث حاكمه فيه فسادا؛ فيقتل ساكنيه، و يخرجهم من ارضهم ليس بوطن، استطيع الان ان اخبرك ان الهوية هي الانسان الذي تحب، و الوطن هو المكان حيث تشعر انك امن، و لقد كان هذا المكان الان يتمثل في دفتر صغير، اضمه الي قلبي؛ كي استمد منه قوة.
هذه البلاد لم تعد بلادي، امي قتلت هنا علي ايد جيش البلاد اثناء محاولتها ردع اخي عن الاشتباك مع احدهم،فاصابتها رصاصة كانت موجهة نحو صدر اخي، فاصابت امي، و انهارت احلام اخي، و مات "الوطن" في عيني.
ترى هل كانت حصص التاريخ التي حضرتها صغيرة في مدرستي القديمة حقيقية؟ كان الاستاذ " علي" يحكي لنا عن ابطال حاربوا من اجل وطننا، لكن ما ادراني انهم ابطال حقيقون؟ اليس من قتل امي ينتمي لجيش البلاد؟
قاطع ابي تفكيري ،كنا قد وصلنا الي الحدود فجلست ارضا تحت جناح هذا الاب الصامد ، اضم ركبتي الي و اعيد تثبيت وشاحي حول وجهي، و مازال الدفتر قريبا من قلبي، لا احد يعرف ما يمثله لي هذا الدفتر الصغير، لقد كان كنزي الكبير، اهداه لي الحبيب الذي لا يعلم ارضه في هذا الوقت الا الله، هو حبيبي، هو بطلي، هو زوجي ،عقدنا قراننا منذ عام، و قد كان هذا الدفتر هو هديتي التي منحها اياي،لقد كان مهري ، سطر فيه كلماته ، و اشعار رقيقة، واراء بطل ثوري ، مازلت احفظ كل سطر منها، لا يهم ان لفظتنا الاوطان، و انشغل عنا الاقربون، مادام هناك من يحبنا و يذكرنا عند الله، لا تهمني المسافات الفاصلة بيننا، ولا باي ارض سنلتقي، سيظل خاتمه الملتف حول اصبعي يعانقه في رقة ،هو املي،و هويتي التي لن تسلبني جيوش الارض اياها."
-
مروة عمريعلم الله اني احاول..
التعليقات
في صغرنا حدثونا أن حب الوطن فرض علينا و أن الجيش يحمي الوطن , و عندما كبرنا فوجئنا بأشياء أخرى ضربت كل هذه المعتقدات في مقتل .
خاطرة موجعة لكنها جميلة .
بالتوفيق .