حتى تكون الإجازة الصيفية مثمرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حتى تكون الإجازة الصيفية مثمرة

أ. بسام أبو عليان

  نشر في 29 ماي 2016 .

انقضى العام الدراسي بحلوه ومره، وها هي الإجازة الصيفية قد بدأت، ـ التي يعتقد الكثير من الأبناء، وربما يشاركهم في الاعتقاد بعض الآباء والأمهات ـ، أنها فرصة للهو واللعب، والتخلص من الأعباء المدرسية. فيترتب على ذلك الاعتقاد العديد من الممارسات السلبية والسلوكيات الخاطئة، فتنقضي الإجازة الصيفية ولم يستفد منها لا التلميذ ولا أسرته منها شيئاً. وربما جلبت للأسرة الكثير من المشكلات التي من خلال الأبناء، وربما بعضهم قضاها ـ أبناء الأسر الفقيرة ـ في أعمال هامشية هي أقرب إلى التسول منها إلى العمل، وربما بعضهم قضاها لعباً في الشوارع، أو التنقل بين القنوات الفضائية وألعاب الكمبيوتر، أو السهر ليلاً والنوم نهاراً... إلخ.

هذه المقالة محاولة لتقديم تصوراً مقترحاً لإدارة الإجازة الصيفية على أمل أن تكون إجازة مثمرة ومفيدة للأبناء والأسرة والمجتمع.

1. حفظ القرآن الكريم:

إن حلقات تحفيظ القرآن الكريم الخاصة بالذكور والإناث موجودة في أغلب مساجد فلسطين ـ إن لم يكن كلها ـ. بالتالي لا تجد الأسرة مشقة في البحث عن مراكز لتحفيظ القرآن. وبإمكان الأسرة أن ترسل أبنائها لأقرب مسجد في الحي ليلتحق بحلقة تحفيظ.

إن إرسال الأبناء لحلقات تحفيظ القرآن، لا تعود فائدته على الابن فقط، بل يشمل الوالدان أيضا. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن يلقى صاحبه حين ينشق عنه القبر، كالرجل الشاحب فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول له: أنا الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذه؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن". (السيوطي، البدور السافرة، 73).

بل الذي يداوم على قراءة القرآن يحظى بمكانة عالية عند الله تعالى يوم القيامة، فهو يحشر مع الصفوة. والذي يجد مشقة في القراءة له أجران: أجر القراءة وأجر المشقة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران". (البخاري، 4937).

ويعد حفظ القرآن ضرورة ملحة لأبناء فلسطين كونهم يقفون على خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة وإسلامها ومقدساتها. فحري بمثل هذا المجاهد أن يتحلّ بأخلاق الإسلام، لاسيما في ظل توغل الثقافة المادية الاستهلاكية في أوساط الشباب الذين يهيمون بنموذج الحياة الغربية، يقلدونهم في لسابهم، وتسريحات الشعر، وطريقة الحديث... إلخ.

2. الإلمام بعلوم الشرع:

طوال العام الدراسي والأبناء يتجرعون معلومات متنوعة في كافة العلوم (الطبيعية والإنسانية). أما بالنسبة لمادة التربية الإسلامية فمعلوماتها سطحية ـ لا تفي بالغرض المطلوب ـ، وأغلب من يدرسونها من غير المؤهلين تأهيلاً جيداً، وهم بحاجة إلى من يصحح معلوماتهم الدينية. لذلك يجب تخصيص وقت من الإجازة الصيفية لتعلم أسس علوم الشرع كالسيرة، والفقه، والعقيدة.

من خلال الملاحظة والمتابعة تبين أن من أعظم المشكلات المستفحلة في أوساط الجيل الناشئ: الإلمام السطحي ـ إن لم يكن المغلوط ـ لأبسط الأسس الدينية التي يفترض أن يكون كل مسلم ملما بها.

إنه لمن المخجل أن يكون أبنائنا على معرفة بأدق تفاصيل حياة المغنين، والممثلين، ولاعبي كرة القدم، والقادة السياسيين... إلخ، ولا يعرفون إلا القليل عن سيرة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأسرته، أو الخلفاء الراشدين، أو الصحابة.

لا أوزع اتهامات عشوائية، إنما أتحدث من واقع موجود فعلا. أليس من العار أن يكون طالباً جامعياً لا يعرف أسماء الصلوات الجهرية (فأحدهم اعتبر صلاة العصر جهرية!)، وآخر لا يميز بين أركان وسنن الوضوء، وثالث لا يعرف أسماء أولاد وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحدهم يسأل باندهاش هل خديجة أمهم جميعاً؟)، ورابع لا يميز بين أركان الإسلام وأركان الإيمان!

وحتى يكون الجيل الصاعد أحسن حالاً ممن يكبره يجب تعليمهم الأسس التي يقوم عليها دينهم، حتى يكون عارفاً بها، ولا يكون من الجاهلين. وهذا يمكن تحقيقه من خلال: تخصيص وقت على هامش حلقات تحفيظ القرآن لتعليم شيء من علوم الدين الأخرى، أو تخصيص جزء من وقت الأسرة وليكن بين صلاتي المغرب والعشاء أو بعد صلاة العشاء لقراءة شيئاً على الأبناء من كتب السيرة أو الفقه أو تاريخ الخلفاء والصحابة، أو متابعة الفضائيات الدينية فهي تعالج العديد من الموضوعات الدينية القيمة.

3. توثيق العلاقات الاجتماعية القرابية (صلة الأرحام):

يمكن استثمار الإجازة الصيفية لتوثيق عرى العلاقات الاجتماعية القرابية، عن طريق القيام بزيارة الأقارب، لاسيما وأن الكثير من الأسر تتهاون في الأمر بسبب الانشغال بالالتزامات البيتية والوظيفية، والاعتناء بمطالب الأولاد الدراسية طوال العام الدراسي ـ. أَمَا وقد جاءت الإجازة الصيفية فقد خفت الالتزامات الأسرية إلى حد ما، فيمكن استثمارها في زيارات ذوي القربى. ونبتغي من وراء تلك الزيارات تحقيق هدفين:

الهدف الأول: (ديني): ابتغاء الأجر وادخاره ليوم لا ينفع فيه مال ولا ولد. وهناك العديد من الأحاديث التي بينت فضل صلة الرحم، فهي تمنح بركة في العمر وزيادة الرزق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ، فَليُصَلِّ رَحِمَهُ" (البخاري، 5985).

ومن يصل رحمه يجني الثمر بسرعة ويلمس أثرها دنيوياً قبل الآخرة، جاء في الحديث: "إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم". (البيهقي، شعب الإيمان، 6/2713).

الهدف الثاني: (اجتماعي): الزيارات القرابية تعزز العلاقات الاجتماعية التي تعكس حالة التماسك الاجتماعي.

4. عقد الجلسات الأسرية الحوارية الهادفة:

إن أكثر ما نفتقد إليه في أسرنا "غياب الجلسات الحوارية الهادفة"، فأغلب أفراد الأسرة مشغولين كل في همومه والتزاماته. الأب غارق في التزاماته الوظيفية، والأم غارفة في الأعمال المنزلية، وربما تكون موظفة فتقضي نهارها في الوظيفية، ومسائها في أعمال المنزل، والأبناء نهارهم في المدرسة ومسائهم في الألعاب وإتمام الوظائف المدرسية. ولا تجتمع الأسرة إلا يوم الجمعة على مائدة الطعام. وبالتالي لا يعطى كبير اهتمام لجلسات الحوار الأسرية، لمناقشة قضايا الأسرة. لا تستغرب إن قلت لك أنه يوجد آباء لا يعرفون أبنائهم في أي مستوى تعليمي هم، ولا في أي مدرسة يدرسون؟

إن جلسات الحوار الأسرية تعزز الرقابة الوالدية على الأبناء للتعرف على أصدقائهم إن كانوا من الخيرين أو المنحرفين، والتعرف على الأماكن التي يترددون عليها، والتعرف على مشكلاتهم وحلها أولا بأول، والتعرف على طلباتهم والعمل على إشباعها قدر المستطاع... إلخ. إن وجود مثل هذه الجلسات يقرب المسافة بين الوالدين والأبناء ويردم الهوة بينهم، وتشعر الجميع بالدفء الأسري الذي تفتقد إليه الكثير من الأسر.

5. اكتشف مهارات ابنك:

ما من إنسان إلا ولديه مهارة ما، قد تكون اكتشفت مبكراً، وأغلبها تكون مغمورة، وتحتاج إلى من يكتشفها، ويعمل على صقلها وتنميتها. إن لم تقم الأسرة بهذا الدور فمن ذا الذي يكتشف مهارات أبنائها؟!. لأن الأسرة هي الأكثر التصاقاً واحتكاكاً بالأبناء، وبالتالي هي الأعلم بمهاراتهم وقدراتهم. والمهارات متنوعة، قد تكون بكتابة القصة القصيرة، أو الشعر، أو الإنشاد، أو الرسم... إلخ. فالأسرة قد تعمل على تنميتها، وإن كانت إمكانياتها ضعيفة يمكنها أن ترسل الابن/ة إلى الجهة الصحيحة التي يمكن أن تعتن بالمهارة وتطورها.

6. المخيمات الصيفية:

توجد العديد من المخيمات الصيفية التي تقيمها جهات عديدة في المجتمع، ولكل منها أهداف علنية وخفية. الذي يهمنا اختيار المخيمات التي تراها الأسرة تعود بالفائدة على الأبناء والأسرة والمجتمع عموما، ولا تتعارض مع ديننا وأخلاقنا وثقافتنا.

إن المخيمات الصيفية تمثل صورة جيدة للأنشطة اللامنهجية، حيث يكون التلاميذ أحرار في ممارسة هواياتهم، والتخلص من اللوائح المدرسية الجامدة، كما أنها تكتشف مهارات التلاميذ وتعمل على تنميتها. وهناك مخيمات هادفة متنوعة في برامجها الموزعة بين: دينية، وجغرافية، وتاريخية، ووطنية، وترفيهية، وإنشاد... إلخ.

7. الرحلات الترفيهية:

إن روتين الحياة والضغوطات الأسرية والوظيفية تجعل الوهن يصيب النفس، وتصل إلى حد الملل والضجر. لذلك فإن النفس بحاجة إلى الترويح عنها. ولتحقيق ذلك يمكن الخروج مع الأسرة في رحلة ترفيهية.

قد يسأل سائل: وأين الأماكن التي يمكن الترفيه فيها؟ لا مكان لحدائق عامة، ولا منتزهات، وشاطئ البحر أصبح ممتلكات خاصة لأصحاب الاستراحات.

أعلم أن الخروج لرحلة ترفيهية قد ترهق ميزانية الأسر ذات الدخل المحدود، لكن مثل هذه الرحلات الترفيهية تجدد الحياة، وتروح عن النفس، وتخفف من الهموم الحياتية.

8. الحملات التطوعية:

ثقافة التطوع ضعيفة في المجتمع، وإن وجدت فهي مغلوطة عند البعض، وأحياناً يفهمها البعض بشكل صحيح لكن يتعجل النتائج. إن التطوع في أبسط معانيه هو: "تقديم خدمة دون مقابل". لذلك لابد من القيام بجهود تثقيفية وتوعوية بمفهوم التطوع وفوائده على صعيد الفرد والجماعة والمجتمع، بعدها يمكن النزول إلى المجتمع وتنظيم العديد من الحملات التطوعية التي تحارب الظواهر والسلوكيات الاجتماعية السلبية.

9. التحق بدورة تدريبية:

الدورات التدريبية تتناول موضوعات مختلفة منها ما يتعلق بالجانب العلمي أو الجانب المهاري، أو الهوايات. فكل فرد يبحث عن وجه النقص الموجود لديه ويحتاج إلى تعزيز كالالتحاق بدورة لتقوية لغته الإنجليزية، أو تعلم مهارات إدارية، إسعافات أولية... إلخ.

10. اغتنم شهر رمضان:

مما يميز الإجازة الصيفية هذا العام، أن شهر رمضان المبارك سيحل علينا ـ إن شاء الله تعالى ـ في والإجازة الصيفية. وكما نعلم أن رمضان من مواسم الخير التي يغتنمها العباد الصالحين المتقين، والكيّس من يغتنم هذا المواسم ليتزود منه لآخرته، ويجدد إيمانه، ويقوي علاقته بربه، ويصلح علاقته بالناس. وطالما الإجازة الصيفية فيها مساحات واسعة لوقت الفراغ، فيمكن ملئه خلال شهر رمضان بتلاوة القرآن، وأداء النوافل، وترطيب اللسان بالذكر، والتصدق، وغيرها من وجوه الخير.

تلك عشرة كاملة، من عمل بها أو بجزء منها أعتقد أنه سيقضي إجازة صيفية مثمرة وناجحة على صعيده الفريد، وعلى صعيد الأسرة والجماعة، بل على صعيد المجتمع بشكل عام.




  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 29 ماي 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا