متى نمتلك اليقين؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

متى نمتلك اليقين؟

هل الأفكار تمثل هويتنا أم أنها كيانٌ منفصلٌ عنا؟

  نشر في 14 يونيو 2023 .


كثيرٌ ممَّا كان من المسلَّمات سابقًا دُحض وصُنِّف على أنه خاطئٌ اليوم. فمركزية الأرض وتابعية الشمس والقمر كانت من المسلَّمات التي تؤمن بها كامل البشرية قديمًا، والتي كانت تُدرّس في المدارس، وتنشر في الكتب والمقالات، حتى أتى اكتشافٌ غيّر منها، فعلمنا بأن الشمس هي مركز المجرة لا الأرض، وأن الأرض واحدةٌ من ثمانية كواكبٍ تدور في مداراتها الخاصة حول الشمس، والاكتشاف الثاني لايقلل من قيمة الأول؛ ففي الأول كانت الموارد محدودة، واكتشافٌ كهذا يدلُّ على عقل مُحلل ومفكِّر يربط المعطيات لديه ليصل إلى نتيجة أو تفسير لما يجهله، أما قدرتنا على اكتشاف مركزية الشمس، فتدل على أن الإنسان عمل جاهدًا ليصنع ويطور من الموارد ما يخدم الإنسانية.

التغيُّر في الحقائق والمعتقدات يدلُّ على أن الإنسان مستمر في تطوير العلم، وأن الجنس البشري صارت في حوزته معلوماتٌ أكثر في مختلف المجالات العلمية والأدبية. وكما قد صُنِّفت بعض الاكتشافات السابقة على أنها خاطئة اليوم، قد يأتي يوم وتُصنَّف الحقائق التي نتعلمها ونُعلمها اليوم خطأً كذلك؛ فالإنسان لا يصل إلى اليقين -حتى الآن على الأقل- وتقبُّله لهذه الحقيقة يجعل من التعلم والفشل في أثناء رحلة التطوير أسهل وقعًا عليه، بل ودرسًا يمكنه أخذ العظة والعبرة منه.

الإنسانُ بطبيعته لا يملك الحقيقة، فهو يُقبِل على هذه الحياة جاهلاً بكلِّ شيءٍ فيها، ليبدأ رحلته مع عقله بالتساؤل والتفكير محاولاً تفسير وفهم ما حوله من أشياء وحوادث، وبالطبع سيخطئ في رحلته الطويلة هذه؛ فهو في مسار تعلمٍ دائم، يخطئ، فيلاحظ، فيصحح خطأه، فيُصيب.

وعلى هذا الصعيد نستنتج بأن معلوماتنا اليوم قد تصبح خاطئةً بالنسبة لنا غدًا، سواءً كانت معلومات علمية أو معلومات شخصية تخصُّ حياة الفرد وقراراته، ومعرفة الإنسان مسبقًا بأنه سيخطئ سيجعل من تعامله مع هذا الخطأ أفضل، فيخرج من هذه التجربة بأقل خسارة ممكنة وبحصيلةٍ من الدروس والخبرات.

حينما يتقبلُّ الإنسان حقيقة أنه سيخطئ كثيرًا في حياته سيبدأ بالتصالح مع أخطائه السابقة، والاعتراف بها، والتعلم منها لتحسين تجاربه القادمة، وعلى الكفِّ الأخرى، لا يتصالح الإنسان الذي لا يقبل عثراته مع أخطائه السابقة، ولا يعترف بها، وحينها يصبحُ من المستحيل له أن يتعلم منها؛ كيف ذلك وهو مقتنعٌ بأنه على صوابٍ في جميع أفكاره وأفعاله مما مضت، ومما هي قادمة، ومما يمارسها الآن؟

تقبّل احتمالية الوقوع بالخطأ يضع الإنسان في درب التطور الذي ينهي أفكارًا وقناعات رجعية، ويستبدلها بأخرى تناسب مستوى الوعي الجديد الذي يصل إليه الفرد أثناء خوضه لحياته وتعلمه من خبرات الآخرين، وحينها تعودُ الفائدةُ إلى الإنسان ذاته، وقد تؤثر بمن في إطار محيطه كذلك.

أما اعتقاد الإنسان بأنه يملك الحقيقة واليقين فيجعل منه شخصًا مبتورًا عن الواقع، يبني أحكامه ومعتقداته على أسسٍ وهمية لعالمٍ مثالي غير موجود، ويمنعه عن الاعتراف بالأخطاء أو تصحيحها، وبالتالي يُبقي الإنسان في نفس مكانه لبقية حياته، كالماء الراكد، والماء الراكد يأسن.

علينا أن نساهم في تطوير العلوم والآداب، بدءًا من خطوة الاعتراف بوجود الأخطاء، ومحاولة تصحيحها وإزالتها؛ لمنح ما هو صوابٌ المساحة للوجود.

وعلى الرغم من أنَّ التطور والتعلم مقترنَيْن بالاعتراف بأن الإنسان لا يملك الحقيقة، إلا أن كثيرًا من الناس ما زالوا يرددون اقتناعهم التام برأيهم في النقاشات والحوارات اليومية والمصيرية، عوضًا عن الاقتناع بصحة آرائهم حتى يُثبت أن للرأي المضاد براهين أقوى، وفي هذه الحالات يصبح حتى الانتقاد مذمومًا بالنسبة لهم، فيكون شخصيًا، موجهًا لهم لا للفكرة أو الرأي، كيف لا وهذه هي قناعاتهم التي لا تتغير، والتي باتت جزءًا منهم؟

بينما الشخص الذي يؤمن بالتغيير وقابليتنا للوقوع في الخطأ يتقبل الانتقاد، ويفهم أنه موجهٌ للفكرة نفسها وليس له بحد ذاته، بل وقد يصبح هذا الانتقاد نقطة تغيير وتطويرٍ في تفكيره؛ وذلك لأن أفكاره لا تمثله كشخص وإنما هي كيانٌ مستقلٌ عنه وقد تتغير بمرور الزمن.

مهمٌ لنا أن نتقبل الفشل، فهو جزءٌ من رحلة الوصول إلى النجاح، كما أنه يجب علينا أن نحفز الأطفال على حل المشكلات التي تواجههم، وتوضيح أن الطريق لبلوغ الهدف يتضمن عقبات يجب أن نصححها ونستمر بعدها، وذلك لئلا نصبح مجتمعًا يستمر في ممارسة الخطأ خجلاً من الاعتراف بوجوده، وعلى أمل أن نصبح مجتمعًا يُفرِّق بين الانتقاد والتهجم الشخصي على الناس، على أمل أن نصبح مجتمعًا يسيرُ على عجلة التطور دائمًا.



   نشر في 14 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا