المرأة والرجل شريكان أساسيان في الحياة, مرتبطان ومكملان لبعضهما البعض, فالمرأة تستمد قوتها من الرجل, وهو بدوره يستمد الحب منها. هذان الكيانان خلقهما الله لتعمير الأرض, ليتشاركا الحياة سويا, ليستأنسا ببعضهما ويعيشا حياتا كريمة. أراد الله أن يجعلهما مختلفان في الخصائص والمواصفات لحكمة ما, وربما هذا الاختلاف, هو الذي يجعلهما مكملان لبعضهما البعض.
دائما عندما نتحدث عن الاختلاف بين المرأة والرجل, نحصر أنفسنا في خانة الشكل والطباع, إلا أن الأمر يتعدى ذلك,فالاختلاف لا يقتصر على ما هو ظاهري أو تربوي فقط, بل هناك فروقات عديدة فيما يخص طريقة التفكير, والتعبير عن الأحاسيس, وكيفية رؤية الأمور, وضبط زمامها..نستطيع القول أن الفرق بين المرأة والرجل شاسع لدرجة أن كل منهما يسبح في واد مختلف, وهذا سبب أساسي يلزم كلا الطريفين تقدير هذا الاختلاف وتقبله كما هو, وليس محاولة تغيير الآخر وجعله يتصرف بنفس الطريقة أو التوقع منه التعامل مع الأمور بنفس المنهجية .
وعدم فهم ماهية وطبيعة هذا الاختلاف, قد يخلق مشاكل عدة, وينتج عنه فشل العلاقة, فالإشكال الذي يطرح دائما, هو أن كل واحد يتوقع من الشريك التفاعل مع الأمور بنفس طريقته, أو فهمه من طرف الآخر دون الاضطرار لشرح ذلك, الشيء الذي يستحيل طبعا, لأنه ببساطة الرجل لا يرى الأمور بنفس الدقة التي تراها بها المرأة, و هذه الأخيرة لا تتعامل مع الأمور بنفس منطق الرجل...
ومن أبرز المفارقات بين الرجل والمرأة, الاختلاف البنيوي للدماغ, فبنية الدماغ عند الرجل تختلف عن تلك الخاصة بالمرأة , وحجم الجهاز الخاص بالعاطفة لدى المرأة أكبر من ذاك الخاص بالرجل, لذلك نجد الجزء العاطفي يتفوق عند المرأة وأكثر تأثيرا على سلوكها بالمقارنة مع الرجل, وهذا ما يفسر دقة ملاحظتها للتغيرات العاطفية لدى الشريك , وإفراطها في التعبير عن المشاعر, وارتباطها السريع بالطرف الآخر , فتجدها سريعة التأثر بالرجل وأحاديثه ونغمات صوته وسلوكه الدافئ معها, قبل التعلق والاهتمام بشكله ومظهره الخارجي, بينما الرجل يهتم بالمظهر الخارجي ويعتمده كعنصر أساسي قبل التركيز بالتفاصيل الأخرى للمرأة....
إلى جانب هذا يستخدم الرجل الجزء اليساري من الدماغ بنسبة أعلى بكثير من الجزء اليميني, بينما المرأة تستخدم كلا الجزأين بالتساوي, وهذا ما يفسر قدرة المرأة على أداء مهام عديدة في الوقت نفسه, والتركيز على أكثر من موضوع في آن واحد, في حين أن الرجل يمتلك القدرة على القيام بعمل واحد في وقت محدَّد. وربما من أكثر الخلافات التي تنشأ بين المرأة والرجل في هذا الإطار, هو إصرار المرأة على شريكها أن يشاركها كل تلك المهام التي تقوم بها, واعتبارها أنه مستهتر في كل مرة يرفض ذلك أو يتهاون عن القيام بما طلب منه, وهو في الحقيقة ليس تهاون أو تقاعس بقدر ما هو فقط طبيعة فسيولوجية يصعب على الرجل تغييرها, فلا يجب على المرأة سوى تقبل ذلك والتأقلم معه, عوض الوقوع في فخ المقارنات بينها وبينه..
وهذا يقودني إلى الحديث عن الاختلاف في طريقة التعامل مع القضايا اليومية ومعالجة المشاكل.فالرجل في هذا الصدد تجده يتعامل مع الأمور بعقلانية ومنهجية ويحل مشاكله بطريقة عملية, بينما المرأة تتعامل مع هذا الأمور بطريقة مبدعة ويغلب عليها الطابع العاطفي. وكل هذا طبعا له تفسير علمي وهو أن الجزء الأيسر من الدماغ مسؤول عن المنطق بينما الجزء الأيمن فمسؤول عن العاطفة.
إضافة إلى كل هذا, المرأة تتوفر على شبكات اتصال أكثر من تلك المتوفرة لدى الرجل, لذلك تجدها تحتفظ أكثر بالذكريات والمعلومات والأحداث, وتتذكر التفاصيل, بالمقابل قد ينسى الرجل تفاصيل هذه الأحداث, لذلك لا تستغرب عزيزي الرجل عندما تجد زوجتك تتذكر أنك نسيت عيد زواجكما منذ عشر سنوات وأنك لم تبتسم في وجهها ذات صباح منذ خمس سنوات, هي لا تتصيد لك الفرص ولكن هي بالفعل لها قدرة على استدعاء الذكريات المرتبطة بالمشاعر, أو التي تركت لديها أثرا قويا في نفسها .وأنت بدورك عزيزتي لا تلوميه عندما ينسى تلك التفاصيل الجميلة التي تشاركتموها سويا, أو عندما ينسى المناسبة التي قدمت له فيها تلك الساعة التي يلبسها دوما , هو لا يتعمد ذلك, وكذلك ليس إهمالا منه, فقط هي شبكاته الاتصالية التي لا تبيح له تذكر كل ذلك, فالرجل يستدعي الذكريات المرتبطة بالأنشطة والمهام والعمل بشكل أكبر. وربما هنا نجد تبريرا لنسيان الرجال لوعود ما قبل الزواج, حتما هم لا يقصدون ذلك, فقط شبكات الاتصال الخاصة بهم لا تتحمل كل ذلك الكم من المعلومات العاطفية " أظن أن هذه الجملة ستنال إعجاب البعض "
هي اختلافات عديدة, قد تبدو بسيطة في ظاهرها ولكنها عميقة وجوهرية, لما لها من تأثير على الطرفين, فعدم أخذ هذا التباين بعين الاعتبار قد يسبب في مشاكل لا نهاية لها. بحيث نجد أن كل طرف ينتظر من الآخر التعامل معه بنفس الطريقة أو التفاعل مع الأمور بنفس الكيفية, إلا أن الأمر صعب جدا, مادمنا لم نفهم طبيعة هذه الاختلافات ولم نحاول تقبلها والتكيف معها.
فعندما يكون الطرفين على خلاف, وتسوء الأمور بينهما, كل منهما يرى أن الآخر لا يريد فهمه, ولا يحاول ذلك بالأساس, فتبدأ المشادات الكلامية والمشاحنات, في حين أن الحل قد يكون سهلا للغاية. فالمرأة في حالة حدوث شجار لا تريد من الشريك سوى أن يعانقها بشدة, وأن تبكي على كتفيه كطفلة صغيرة, فيذوب بذلك التوتر , وينطفئ لهيب الشجار.بينما الرجل لا يطلب من المرأة في هذه الحالة سوى الصمت والتوقف عن الثرثرة وإعادة نفس الكلام, لأنه في الوقت الذي تظن فيه النساء أنهن يشرحن الموقف أو يوضحن الأمر,الرجال يجدوا أنه ضغط وتكبير للموضوع .وهنا يظهر جليا الاختلاف حتى على مستوى ردود الأفعال .
إذن المعادلة بسيطة جدا, الرجل يحتاج لأن يكون وحيدا, والمرأة تحتاج لبعض الحنان والحب, هو يريدها أن تتوقف عن الكلام وهي تريده أن يعانقها بشدة ويحسسها بالأمان ..هل رأيتم بساطة الموضوع
بفعل بسيط, نستطيع تفادي العديد من المشاكل, فلا يجب اعتبار أن الآخر على علم بما نريد أو يفهم احتياجاتنا دون أن نتكلم, الــأمر يتطلب فقط فهم الآخر ووضع أنفسنا في مكانه,والأخذ بعين الاعتبار للاختلافات, فلكل منا احتياجاته واختلافاته ويجب تقبل ذلك ومحاولة تفهم ما يريده الآخر والعمل به, والأكيد أنه سيحاول بالمقابل فعل نفس الشيء.
وأخيرا, كل هذه الفروقات قد تنجلي إذا ما كانت هناك ألفة بين القلوب وتمازج بين الأرواح ...فهم الآخر واعتباره نفسك, قليل من التنازل وخلق الأعذار, يجعل كل هذه الفوارق والاختلافات تتبخر في سماء الحب والود والعشرة ...
-
فاطنة الربولي Rabouli Fatnaفاطنة الربولي صحفية ومتخصصة في إنتاج المضامين السمعية والبصرية والرقمية, مدونة مغربية
التعليقات
ثانيا قلت :
بفعل بسيط, نستطيع تفادي العديد من المشاكل, فلا يجب اعتبار أن الآخر على علم بما نريد أو يفهم احتياجاتنا دون أن نتكلم, الــأمر يتطلب فقط فهم الآخر ووضع أنفسنا في مكانه,والأخذ بعين الاعتبار للاختلافات, فلكل منا احتياجاته واختلافاته ويجب تقبل ذلك ومحاولة تفهم ما يريده الآخر والعمل به, والأكيد أنه سيحاول بالمقابل فعل نفس الشيء.
أين نحن من هذا في مجتمعاتنا العربية ؟
أشكرك على صراحتك و خفة دمك.
هذه هى الخلاصه أحسنتى
رغم مرور آلاف السنين على وجود الرجل والمرأة على الأرض إلا أنهما لا يفهمان بعضهما البعض حتى الان. والحل كما ذكرتِ هو التفاهم والتغاضي عن الهفوات.
عودة مباركة للكتابة. بالتوفيق وفي انتظار كتاباتك القادمة.
هذه الفقرة أضحكتني واستفدت منها ..( ربما هنا نجد تبريرا لنسيان الرجال , فقط شبكات الاتصال الخاصة بهم لا تتحمل كل ذلك الكم من المعلومات العاطفية " أظن أن هذه الجملة ستنال إعجاب البعض " حقا نالت إعجابي ..
دام قلمك المتألق