تشابهت الأيام كأنها تؤيد بعضها في أحوالها وتصرفاتها، أصبح طعم الحياة مرُّ في فمي، مزعج لسمعي، ما تبصره عيني باهت اللون سَمِج، من يرى حالي ظنَّ أن الدهر باعني للبؤس والهمّ أو أن المصائب إختارتني لحربها، شحيح صار في دنياي ما يهَلِلُ محياي ويبهجني.
ترتد عن رؤيتي الأبصار وفارق وجهي حُسنه وبهاؤه، حتى أني أرى الكآبة والملَل في وجوه العابرين، ما بيدي حل يُسْعِف، وليس للحديث نفوذ يخفف همهم وهمي ويرسم لوجهي بهجة ومَسَرَّة تطرب لها نفسي.
كأني بقول الشاعر:
ياَ مَوْتُ خذْ ما أبْقَتْ
الأيَّام والسَّاعات مِنِّي
بَيْنِي وَبيْنك خَطْوَةٌ
إن تَخْطُها فرَّجت عنِّي
قد جُبِلَت طبيعة البشر على حب الدنيا والإنس بها والإستمتاع بنعيمها وملذاتها، ولا تتحقق اللذة والمتعة في الدنيا إلا بالشقاء والتعب والألم في بنائها وذلك بالحركة والسعي والمثابرة في العمل فهُو روح الحياة، فإن خَلتِ الحياة من العمل فذلك يشبه موتها.
فلا شيء يميت الحياة كَتَساوٍ الأيام ولا شيء ينعشها كتفاوتها، من يرى سحر وجمال النهر يظّن أن ثبات الحال ميزته، ولكن إن أطال النظر فيه إنْكَشَف له أن الحركة والتغير هي جوهره فهذا السبب في جماله الآسر وبهاءُ منظره الأخَّاذ.
فمن أحَبّ الحياة أحب نشاطه وجريانه، فعاشت بقربه الأزهار والنباتات، أَلِفَه الطير والحيوان، ووجد الإنسان الأُنس بقربه فشيد مدينته وأنعش إقتصاده بحيويته، كل هذا لأن النهر كره السكون.
أيامنا السابقة كانت هادئة مُستقرة، لَزِمنا دارنا، أصبحت صلواتنا في منازلنا، فأمتثل بأبيات الإمام علي رضي الله عنه:
رَأيْتُ العُسْرَ يَتْبَعُهُ يَسَارُ
وقَوْلُ اللهِ أصْدَقُ كُلِّ قِيلِ
فَلاَ تَجْزَعْ وَقَدْ أعْسَرْتَ يَوْمًا
فَقَدْ أيْسَرْتَ فِي دَهْرٍ طَوِيل
ولا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ ظَنَّ سُوءٍ
فَإِنّ اللهَ يَأْتِي بالجَمِيلِ
التعليقات
فَإِنّ اللهَ يَأْتِي بالجَمِيلِ
رائع جدًا ماكتبتم استاذ دام مداد قلمِكم
بالاضافة الى ما جاء فيها من عمق في التفكير ، وبلاغة في التصوير والتعبير ..اضيف الى هذا التعليق فكرة. استوحيتها من مضمون الخاطرة نفسها وهي ان قيمة ما نملك لا نعرفه الا حين نفقده ، فقد كنا نسير بيسر دون مبالاة ، تلامس أقدامنا الطرقات والمنعرجات ، ولم يخطر ببالنا انه سيحول -في يوم من الايام -بين أقدامنا وإقدامنا الى حيث نريد ووقت ما نريد .،.
صرنا نسرق النظر الى القمر من وراء شبابيك منازلنا ..بعد ان كان النظر اليه متاحا ومباحا ..
صرنا نخاف التجمعات وحرارة الضمات
واستبدلنا العبارات بسلام الاشارات
وكما ذكرت في خاطرتك الجميلة( النهر يكره السكون )، فلعلنا حين نجتاز هذا السكون ، ونعود الى حياتنا السابقة، والى جلبتنا ، وحركياتنا المعتادة ، لعلنا ساعتها نتدكر قيمة ماكنا فيه وعليه .
سعدت بقراءة هذه الخاطرة ،ودام قلمك نديا سخيا .