أسير الى جانب نورا فاكتشف العالم من جديد ، ونورا هي ساحرتي الصغيرة الطيبة ربما او الشريرة أحيانا .
نمشي ، هي المرة الأولى لنا معا ، وهي لم تتمكن من التحدث بصورة كاملة بعد ، لم يتعود لسانها العذب على نطق الكلمات التي تنوء بسوء العالم ومخاوفه ..
تسالني بشغف يثير ضحكي ونحن في الطريق الى حيث سنشتري لها الحلوى ، البقالة على أول الشارع الذي نسكن فيه ، تمسك اصبعي بيدها المنمنمة فاشعر بالعمر الذي مر بي حتى وصلت الى هذا اليوم حيث تمسك بيدي الكبيرة يد ناعمة باردة منمنمة تتشبث بي وترى العالم من خلال يدي .
انظر فاذا بها الى جواري ترتدي معطفا ادخلني بغتة الى غابة ذات الرداء الاحمر ، تسير مختبئة فيّ من الذئب .. لا بل من التوك توك والسيارات والكبار الذين يسيرون في الشارع من حولنا .. اكتشفت من خلال اختبائها بين ساقيّ انها تستمد منى أمان كنت ابحث عنه انا شخصيا كثيرا ، امان كنت استقيه من حضن ابي ويديه وهو يصافحني واحيانا كنت استقي هذا الامان- الذي بت ارويه لنورا اليوم - من نبرة صوته وهو يناديني ، لم يعد أبي يناديني ولم تعد جرعات الأمان اللازمة لطمأنينتي تصلني كما يجب ، فكرت وهي تعانق ساقي لانها الجزء القريب لقامتها القصيرة في عناقي لابي .. متى كانت آخر مرة عانقته فيها وشعرت بقربنا ؟ فوجئت انها كانت مرة بعيدة جدا .. البقالة مغلقة ، مضطرين لكونها تبكي وتريد الحلوى ان نسير حتى نصل لبقالة اخرى .. امسكت يدها بيدي ومشينا معا ، تسالني عن كل شئ بالطريق " ايه ده ؟ " .. " ده كلب " ..
" ايه ده ؟ "
" ده راجل " .. ده توك توك .. ده ورشة .. ده معمل .. ده بيت .. ده حمار
الكثير من الاشياء ، سالت عنها ربما لانها لاول مرة تشاهدها في حياتها وربما لانها لاول مرة تعي انها تشاهد تلك الاشياء ، مر بجوارنا رجل تبسم في وجهنا ، صافحتها وتوقفت رحلتي مع الساحرة الصغيرة لكي ابادله التحية وبضع كلمات يسال فيها عن حالي وآخر ما وصلت اليه .. كنت امسح تفاصيله بعيني من اعلى بينما الساحرة الصغيرة تمسح التفاصيل نفسها من اسفل ، حيث لم تكد تصل الى ركبته .. تنظر في وجهه ، سمرته ، شفتيه ، شعيرات انتشرت حول وجنتيه وكأنه طفل يشبّ نحو الرجولة البعيدة بشغف متعجل ..
- بنتك ؟ !
- نورا ..
وتبسّم ابتسامة ذات معنى ، هل كنت اخبره ضمنيا انني استطعت خلق " النور " وحدي بدلا من خلقه برفقته ام انني كنت اطعنه بنعومة ؟ هل سامحته بهذه السهولة لدرجة انني اقف على قارعة الطريق بينما انامل صغيرة تمسك اصبعي ، ذاك الاصبع الذي كثيرا ما تشبث هو به .. نورا اتخذت مكانا كان هو مالكه ، واليوم سألتني بعد ما تجاوزناه ..
" ايه ده ؟ " كنه السؤال يضحكني فهي لا تعرف قول " مين " فتقول عوضا عنها " ايه " حوّلته الساحرة الشريرة الى شيء ، نكرة تريد تعريف تلعثمت في سرده وشرحه لها .. شرحت لها قبل دقائق ماذا يكون القط وكيف تكون لعبة الكرة ولمن تعود الدراجة النارية تلك وعلى من تنادي السيدة الواقفة في الشباك ، لكنني لم استطع اخبارها ان " ده " رجل ملك قلبي يوما ما ثم خسره وخسرني للابد .. لم استطع اخبارها انها ساحرة لانها منحته فرصة للحديث ومنحتني قوة لاقاوم شهوة تشابك اصابعنا ..
اسير في الطريق هربا من صدفة حملته الى هنا ليراني وانا امرأة بيدها طفلة هي ابنتها من رجل آخر . هل بدوت في عينه منتصرة ام مهزومة ؟! انني أواري فشلي ، أواري خسارتي بالبسمة التي رسمتها على وجهي وانا اعترف له انني استطعت انجاب طفلة من رجل دونه .. ساحرتي الصغيرة تمسكت بيدي ، جذبتني نحوها ، انتزعتني من ذكرياته التي هجمت عليّ ، وسالتني من جديد " ايه ده ؟" .. " ده كلب " ..
هل كان بالامكان تجاوز الرجل دون السؤال عنه او مصافحته او التفكير في جدلية هل هزمته ام هزمني ؟ ربما كان بالامكان تجاوز الامر برمته لو ان صاحب البقالة على اول شارعنا انتظرنا لعشر دقائق اضافية فقط ..
-
ياسمين حسنباحثة عن النور الذي على هداه قد أجد نفسي ! * بين الذكر والذكرى *