لا أتحدث بسلبية هنا ولست من مروجيها في الحقيقة الواقعية دومًا ما كانت طوق النجاة خاصّتي من مهوّلات ومبالغات الأمور التي يحدّثني بها عقلي.. في ذلك الموقف وتلك اللحظة الشبيهة بحلم اليقظة ولكن النوع الرديء والموجع لا السعيد كان بودّي تجميع كل صرخات المتألمين والمظاليم والسجناء والمنهوبين لأصيحها بأعلى الصوت فأخرج ما يأكل جوفي، علّه يجدي مع العلم أنّ جوفي لن يكفيه الصراخ تلك اللحظة، عندها وفقط أدركت أنّ الواقعية وإدعاء القوة والتجلّد والصبر ليسوا أصدقاءًا صالحين على الدوام المرء يحتاج لأن يسقط عندما تلتوي قدمه كي لا يدوس عليها فتؤلمه أكثر من ألم إلتوائها، لا بأس بأن تسدل ستائرك من الشمس كي يزورك الظلام فتشتاق وتدرك روعة الشمس وتعود لها مرةً أخرى. لم ينفعني حينها إلّا الإنهيار هو من أعاد لحياتي رشدها، أتعي معنى أن تحب عثراتك؟ أتعي معنى أن تكون ممنونًا لها؟
كنت أستطيع ألّا أنهار .. شريطة أن أتخلّى عن إنسانيتي وأصبح خاويًا من أي معنى للحياة من الداخل، شريطة ألّا أشعر بعد الآن، كان رهانًا صعبًا للغاية أتراني أتنازل عن صلابتي أم أتنازل عن كوني إنسانًا! لم يكن هناك خيار ثالث.. رصانتي رميتها في جسر الوادي الكبير القريب من منزلي ومضيت مستاءًا من نفسي أولًا ومن الحياة وقدري المنحوس.. أيامًا إمتدّت لشهور لم ألحظ سرعة مضيّها.
في أعمق نقطة في قلبي كنت أفضّل الحال بهذا الشكل لا أمل لا طموح لا خيال ولا سعي لشيء، فيّ شيءٌ كان يألف غرابة التيه..
في يوم عاديٍّ للغاية خلعتُ سترتي السوداء – كلون الحياة في عيني – المفضلة للإكتئاب وإستحممت ككل يوم لأخرج فأجد هاتفي يحمل رقم أمي التي ترافق جدتي المريضة في منزلها، لتبكي وتخبرني أمرًا كان يجدر بي أن أحزن لأجله حقًا كان خبرًا صادمًا عن أبي عزيزي.
ذهب كل حزني المزعوم أدراج الرياح بنفحة مصيبةٍ حقيقية أدركت أنّ هناك ما كان أسوأ من ترف حزني السخيف الذي بلا معنى وأنّ الحياة لا تتوقف على أشخاص وأحلام كنت أعتقدها الحياة بحد ذاتها.
تكدرت حقًا وحزنت بكيت وأخبرت الله كل شيء هو يعلمه مسبقًا في الأصل، ولكن آمنت بموزع الأقدار ونهضت من جديد بحزني الصغير ذاك وحمدت الله من كل قلبي على ما مررتُ به. لأنّ من يجزع من رحمة الله ونعمه لن يحدث له ما هو أسوأ أصلاً؛ فهذا هو السوء الأكبر.
-
@bshair99أبدو وكأنني أريد أن يسمعني العالم أجمع، وفي الحقيقة أنا أتحدث لنفسي بصوت مرتفع لا أكثر