بقلم أ.د.عادل رشاد

يعد مفهوم فرص الحياة Life Chances من المفاهيم المهمة والمحورية في دنيانا وأخرانا ،.قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } سورة النساء: (134)

ويرشدنا الرسول- صلى الله عليه وسلم - إلى اغتنام فرص الحياة فيقول: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» ‌ المستدرك(٧٨٤٦) .

والحياة غير الهادفة وغياب الحوافز والدافع والأهداف المحددة، وعدم تنظيم الوقت والجهد باتجاه معين؛ كل ذلك يجعل من تفويت الفرص أمراً لا مفر منه.

لا توجد أبواب مقفلة أمام الفرص ؛ لكن توجد مفاتيح ضائعة ، وهذه بعض مفاتيح لصناعة الفرص :

1 - تأكد من المشروعية، فالفرصة، لا بد أن تتحلى بالبعد الأخلاقي والقانوني والشرعي، واصطياد الفرص ليس ضرباً من القرصنة والانتهازية لحقوق الآخرين.

2 – اختر الفرصة الأفضل للفرصة فهناك فرص قد تضيع على الفرد فرصا أفضل منها، فلابد من تقييم الفرصة من حيث أهميتها وجودتها في تحقيق أهدافك.

تصور لو أتيحت لك فرصة مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول لك فيها اطلب مني ما تريد ! انظر ماذا فعل الصحابي رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه، حيث يقول: «كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» صحيح مسلم ٤٨٩.

3 – راع مناسبة الفرصة مع احتياجاتك وإمكانياتك المادية والمعنوية.، وإلا سببت لك حرجا، وفي الحديث: (لا يَنبَغي لمُسلِمٍ أنْ يُذِلَّ نَفْسَه، قيلَ: وكيف يُذِلُّ نَفْسَه؟ قال: يَتعرَّضُ مِن البلاءِ لِما لا يُطيقُ.) صحيح ابن ماجه ٣٢٥٩.

4 - ابحث عن فرص بديلة، فلا فائدة من التباكي على أطلال الفرص الضائعة، أو اجترار حسرات الندم، وقل:{عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} سورة القلم (32). ‌

5-بادر بصناعة الفرصة، عندما لا تجدها قال برنارد شو Bernard Shaw: «الناجحون في الحياة بحثوا عن الفرص المناسبة، ولكنهم حين لم يجدوها صنعوها بأنفسهم».

لما الصحابي قَدِمَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ إلى المدينة مهاجرا دون مال او أهل فآخى النبيُّ ﷺ بيْنَهُ وبيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ الأنْصارِيِّ فَعَرَضَ سعد على عبد الرحمن أنْ يُناصِفَهُ مالَهُ ويهيئ له زوجة .لكن عبد الرحمن لم يركن إلى هذه الفرصة الكريمة والسهلة ، بل قال شاكرا : بارَكَ اللَّهُ لكَ في أهْلِكَ ومالِكَ، دُلُّونِي على السُّوقِ، فأتى السُّوقَ فَرَبِحَ شيئًا مِن أقِطٍ، وشيئًا مِن سَمْنٍ، فَرَآهُ النبيُّ ﷺ بَعْدَ أيّامٍ وعليه متعطرا، فَقالَ: مَهْيَمْ يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقالَ: تَزَوَّجْتُ أنْصارِيَّةً، قالَ: فَما سُقْتَ إلَيْها؟ قالَ: وزْنَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ، قالَ: أوْلِمْ ولو بشاةٍ ) صحيح البخاري ٥٠٧٢ •

إن صناعة فرص الحياة يُحدث بالتأكيد تغييراً جذرياً في حياتنا سواء كان في الجانب الشخصي أو الاجتماعي أو المالي أو الأخروي.

والسر في ذلك لا يعود إلى الحظ ؛ ولكن من خلال قيمة الجهد، فالفرصة – كما قيل - تأتي متنكرة في ثياب الجهد الجاد ، أما الإقامة في منطقة الراحة، والرضا الساذج بالواقع فليس لها نصيب في عالم الفرص .