الطريق إلى البيت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الطريق إلى البيت

  نشر في 25 يناير 2019 .

في الطريق إلى البيت،أحمل على كاهلي  عبء المدينة التي تركتها والأحلام التي لم أكتبها.

 فوق ظهري يجلس  كائن أسود يظغط بقدميه على صدري كلما تنفست أو شهقت بصوت مسموع.

وجهي شرب التراب لونه،فقد روحه في آخر مرة نظرت فيها إلى الخلف .

في محطة القطار،أساير النسق السريع للأقدام والأحذية المتحركة حولي.أحذية رجالية سوداء وأحذية نسائية أنيقة ذات كعب عالي تتجول هنا وهناك،إما  تتباعد بحزن أو تتعانق بحب أو تفترق إلى الأبد أمام أبواب القطارات المفتوحة، ،هناك أيضا أحذية أطفال ترتفع عن الأرض أحيانا أو تسقط دون أن ينتبها لها أحد بسبب النسق السريع للمكان،وهناك أيضا من هم مثلي دون حذاء.

بقدمين عاريتين تطلان من  تحت ثوبي الأزرق القديم تذكرت  أنني نسيت حذائي خلفي،في إحدى مفترقات الطرق،في المدينة التي سأرحل عنها قريبا،هو سلك إتجاها وأنا آخر.

العالم كان أوسع من إختصاره معي حيث أذهب.

غريب كم يمكننا التحكم بحجم العالم.

من نافذة القطار،يتحرك المكان بسرعة  معطيا إياي مساحة صغيرة للنظر لكل مشهد بطريقة متناسقة وسريعة مثل أفلام السينمائية القديمة حيث تتحرك الصور كلها تباعا.

 من خلال كل ما أراه  و من هذه المساحة شبه المعزولة

 أحاول إسترداد لون وجهي،وللشمات على جسدي أقطف من شجيرات الزيتون ،حبات صغيرة ذات لون أسود ،بعضها ناشف شربت الشمس عصارتع وبعضها ممتلئ تسيل منه خثارة بلون بنفسجي فاقع.

على طول الطريق،كل شيء  كانت تقع عليه عيناي كان يلتهمه جسدي بشهوة منقطعة ويحييه بين رفوف جلدي الثقيلة مكرها. 

...إلى البيت أصل محملة بكل شيء و لا شيء مما اردت،كل شيء ذبل ،كل شيء مات،كل شيء تائه مني.

فور وصولي، تقلب أمي جسدي كما تقلب دجاجاتها كل صباح، خوفا من عاهة أو مرض  أصابني في الطريق.

تجد أمي أن جسدي  بارد ومستنشق الرماد حتى الإختناق،هناك أيضا أثار حروق زرقاء وخضراء تشبه مجرات صغيرة منتشرة على اليدين وأسفل القدمين .

محملة بكل ذلك الألم ، تضيء الشمات السوداء في جسدي مثل فتيل السجائر ويتصاعد منها خيط رفيع من الدخان الذي ينقاد الى فاه أمي المفتوح .ونظرا للظروف تبين لي الآن أن هذه الشمات لم تكن أبدا حبات زيتون.

هي رؤوس صغيرة لأطفال الكائن المقيم فوقي.

وقت العشاء وعلى مائدة الطعام،وحين ينظر أبي إلى عيناي أطاطأ رأسي لأمنعه رؤية أعقاب السجائر والأوراق المنطفئة في عيناي،أخشى دوما أن يتساقط الحشيش الذي دخنته من تحت جفني ويكشف كل حكاياتي.

ترعبني فكرة أن أبي قادر على رؤية ذلك داخلي لذا حين أغسل وجهي صباحا أتأكد من أن لا شيء مخبأ هناك.

في هذه الأثناء ،الدخان الذي إنقاد إلى معدة أمي تحول إلى أمطار غزيرة،هذا  الطوفان يدفعني أكثر لأن أعود أدراجي ...أن أعود خطوة للخلف لكن أمي تتشبث بيديها بي  مرعوبة أنا  من المكان وحجم الفراغ المحيط بي

... تُجففني أمي،تجفف روحي وجسدي وعيناي لكن المطر بالخارج كان أشد من أتركه خلفي شربته كله .

خلعت وحدتي وتركت المياه تنزل مني حتى غرق بيتنا...هِي دموع "الغريب" على كتفي ،مياه كل طفولته التي قضاها مرتحلا من كتف إلى كتف في غربة عميقة حتى وجدني.،حتى وجد جسدي.

الآن هيا تفيض مني،تفيض ولا يمكنني إيقافها حتى غرق البيت،غرقت كل الذكريات والأحاسيس والمشاعر نحو القاع. أمي وأبي استطاعا كلاهما وكما هو متوقع أن يصعدا فوق حزني.

تشبثت فقط بصديقي الأسود وحاولنا البقاء معا،في الأسفل. ثم تذكرت كل الجهد الذي بذلته في الطريق حتى تعبق رائحتي بالزهور واللون الاخضر ، حتى تقطعت أنفاسي جراء كل هذا الصفاء والنور الذي وجدت نفسي فيه،كل ذلك من أجل أمي وأبي،لكن ذلك كان مجهدا بطريقة لن يفهمهما سوى هذا المقيم فوقي وبلا نتيجة لذا أغلق عيني حتى أريحهما.أغلق كليهما وأسمح للمقيم أن يعود بي حيث كنا أنظر لآخر مرة إلى أمي وأبي، هما يَطُفوان عاليا فوقي أريد توديعهما لكن  حلقي ممتلى بأشواك الصبار،أي صوت ينجم عني سيصيب الصمت الواجم حولي  برصاصة قد تكلفني والديا لذا أصمت مانحة روحي بعض الهدوء عائدة إلى محطتي الأولى،إلى حذائي.



   نشر في 25 يناير 2019 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا