تظهر الفتاة علي المسرح لتقدم رقصة الباليه التي طالما تدربت عليها، إنها تتقن هذا الفن جيدا _حيث يظن الجميع أنها خلقت لأجله_.

تبدأ الرقصة وتتمايل الفتاة بمنتهي الانسيابية في تناغم فريد مع الموسيقي ،يساعدها في ذلك ثيابها الأنيقة المنمقة_دأب علي تصميمها أشهر مصممو الأزياء_.

في مقدمة الصفوف تقف الأم وتنظر إلي ابنتها بكل فخر، لطالما كانت الفتاة مصدر فخر كبير للعائلة_فهي الأميرة والملكة المستقبلية ووريثة العرش_.

يتسارع الإيقاع وتتغير حركة الفتاة الإنسيابية إلي حركات أكثر عنفوانا ، يصفق الحضور في حماس ،يتخلل التصفيق والتهليل إلي مسامع الفتاة فتزداد حماسا ،يتحرك الجسم في حركات دائرية سريعة في اتجاه وتتحرك الرقبة في الإتجاه المخالف، تفاقم حماس الفتاة والذي جعلها تسأم ما تعلمته من حركات وترغب فجأة في تجربة شئ جديد ولأول مرة علي المسرح !!

قررت الفتاة أن تستخدم عنقها الجميل لعمل حركات أكثر عنفوانا تتناسب مع الإيقاع ومع أول حركة سقطت مغشيا عليها!.

هرعت الأم إلي الخارج لتنال نجدة الطبيب ،ولكن سرعان ما استعادت الفتاة وعيها ووقفت من جديدة علي خشبة المسرح ولكن هذه المرة لم تكن كسالفة الذكر.

بدأت الفتاة تحدق في الحضور بشكل غريب ثم بدأت بالقفز علي الدرجة الثانية من درجات المسرح كالشمبانزي !!

بات المدربون ينظرون إلي بعضهم البعض في دهشة_لا يمكن أن تكون هذه الحركات تابعة للعرض،بل لا يمكن أن تمت إلي رقص الباليه بصفة من الأساس_.

ظهر الطبيب وسط الحضور أخيرا ووقف في هدوء محاولا أن يتخيل السناريو الأكثر احتمالا_لا بد أن الحركة الأخيرة قد تسببت في فتق مفاجئ في الشريان السباتي الموصل للدم إلي المخ مما أدي إلي حدوث سكتة دماغية حادة_.

وبعد لحظات بدأ بؤبؤ عين الفتاة في الاتساع بشكل ملحوظ الي أن تحول لون عينيها الزرقاوتين إلي ليل كاحل ثم بدأ يرتسم علي وجهها علامات الفزع ،انها تحدق في نقطة بعيدة _لابد أنها تري مالا يراه الناس من حولها_، ثم بدأت في النظر حولها في فزع شديد متمتمة ببعض الكلمات _من انتم؟..اتركوني..اذهبوا بعيدا..لا أعرف ..ما هذه الأسئلة؟!_.

قد يطرأ علي المريض بعض التصرفات والأفعال الغريبة نتيجة لحدوث سكتة دماغية حادة، لكن الجزء الأخير يدل علي بدء طقوس فريدة_أسميها طقوس الرحيل_، تري مالا نراه، وتدرك أخيرا ما لم تكن تدركه ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد).

لقد تفاجأت المسكينة بهذه الطقوس التي لاتعلم عنها شيئا، فلم يكن مسموح بتداول مثل تلك الأحاديث في القصر الملكي ،لا يُسمح بالحديث عن الجانب المظلم الواقعي من الحياة وكأن الموت ضيف غائب لن يسمح له بالمرور عبر أسوار القصر !!

باغتها الضيف المنتظر حتميّ الوصول دون تحضير وبدأت تتفاقم علي وجهها تعبيرات الفزع والحسرة وبعد دقائق من المعاناة رحلت الفتاة المدللة ذات الشعر الذهبي عن عالمنا المزيف.

تنتظر معظم الفتيات ضيوفا ربما لن يأتوا أبدا ،ينتظرن النجاح والشهرة والدلال ،الحب والزواج والإنجاب ولا ينتظرن الضيف الوحيد الذي حتما سيأتي وحينما يحلُّ ضيفا سيحلُّ دون أخذ موعد ،سيمر عبر الأبواب المغلقة غير آبه باذن للدخول ،ربما سيغابت صاحبة نصيبه في أكتر اللحظات عنفوانا وسعادة ليسرق منها هذه الكذبة..كذبة الحياة الدنيا.