عند انتصاف النهار كنت قد اتخذت موقعى فى قسم المرور لتجديد رخصة القيادة بين حشد من الأشخاص فى احد الطوابير المهيبة و نحن نتحرك برتابة مزحزحين أقدامنا لتصنع مع الارض صوت احتكاك يشبه الخربشة تثار معه الأتربة و تتعالى لتلتصق فى النهاية مع ما نضح من مسام بشرتنا من عرق أجبرته أشعة الشمس الحارقة على الانسياب و التدفق نتيجة لضرباتها المتلاحقة ليتشكل فى النهاية مزيج من القطرات الغامقة تصنع اثناء سقوطها على صفحات الوجوه خطوط سوداء ترسم ملامح الشقاء و البؤس على من قرر الالتزام و من لم يستطيع شراء الحق بالباطل , على الجانب الاخر و علي بعد أمتار قليلة كانت هناك الكافيتيريا التى استظل بها عدد من السادة متخذين منها مجلساً مؤقتاً يحتسون فيه المرطبات بألوانها المختلفة ريثما تنقضى مصلحتهم التى تصالحوا فيها مع من فسدت نفوسهم على مرئى و مسمع من الجميع.
لم يثير ذلك المشهد اندهاش اى من ذوى الخطوط السوداء الذى يغيب فية القانون فى حضرة من اؤتمنوا علية نظرا لاعتيادنا إياه و لكن بالنسبة لى كلما مررت على مثل هذا الموقف ترائت الى ذهنى تلك الآية الكريمة " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " الرعد:11 – لتثير داخلى بعض التساؤلات ككيف و متى نغير من انفسنا و هل قرار التغيير فى ايدينا؟ الى ان لاحت لخاطرى الاجابة التى تعكس عبقرية الخالق فى بساطتها و هى "واو الجماعة" فى كلمة " يُغَيِّرُواْ " فالمجتمعات لا تغير نفسها بنفسها - المتمثلة فى مواطنيها منفردين - تلك التى لا تبدو مطمئنة دائما بل هى فى معظمها اما لوامة او امارة بالسوء و بالتالى لابد للتغيير من ان يتم فى اطار الجماعة من خلال وضع رادع تخضع لة و تستوى من خلفة كالحشائش بعد جزها و ذلك الرادع هو القانون الذى يحدد ما لنا و ما علينا من حقوق و واجبات و لكن كيف للقانون ان يحيا بلا رقيب و خصوصا ان القائمين على تنفيذ القانون منشقين عن تلك النفوس الغير معصومة ؟ اذا الرقابة هى الحلقة المفقودة التى يكتمل بها اى نظام ناجح و هى ايضا السبب الرئيسى وراء تخلفنا حيث ان ضعف الرقابة يعتبر اكبر اختبار لايماننا و للاسف فشلنا فية بنسبة كبيرة بما اننا من اكثر دول العالم فسادا لان معظمنا غير مؤمن بوجود اله رقيب علية بالرغم من اشارته الصريحة سبحانة و تعالى فى العديد من الايات و منها " إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " (النساء- 1) ناهيك عن انعدام التفاهم و التجانس و استحالة الحوار و النقاش إلا فيما يخص الهلس و مشتقاتة مع انة من المفترض اننا شعوب متدينة تتخذ من الاحكام السماوية منهجا للحياة و لكن مع الاسف اهتمامنا بهذا المنهج لا يتخطى ذلك الاهتمام الذى نولية للمناهج الدراسية التى نرددها بالسنتنا فقط ليلا و نهارا الى ان نحفظها عن ظهر قلب لغرض واحد فقط و هو اجتيار الامتحان لا لان نفهمها و نتدبر معانيها.
قطع حبل افكارى و اسكتها صوت كرمشة ورقة نقدية انتقلت من جيب احد السادة مختبئة بين اصابعه فى كسوف و دلال لتستقر فى قبضة بائع المصلحة بعد ان اتم عملة على اكمل وجه ثم اثنى علية السيد قائلا : متشكرين يا غالى ربنا يخليك , فرد عليه بتلقائيه تنم عن قناعة مشوهة : العفو يا باشا ربنا يزيدك من نعيمة و يفتحها فوشك كمان وكمان....... عن اى رب تتحدثون. !!!