يسألوني "كيف حالكِ؟".. فتعجز الكلمات عن الرد رغم بساطة الإجابة!
أقف أمام استفهامهم جاهلة مضمون "الحال" المراد معرفته.. هل المقصود بحالي هو القشرة الخارجية الأنيقة المبتسمة أم حقيقة باطني المشتعل بالإنكار والدهشة؟!
على كل حال.. أنا لست بخير!
وكيف أكون والعالم حولي يُزيد من ثورة غضبي يومًا بعد يوم؟!
هذا العصر يتفنن في إظهار وجهه البشع ويطالبني بالهدوء وحسن التصرف، يدفعني نحو نسختي الأقبح قولًا وفعلًا، يخنقني بوحشيته وفوضوية سكانه ونفاقهم في بعض الأحيان، وإن رفضت هذيانه طردني خارج حدود مملكته طردًا مهينًا لمقام نبضي، وأصبحت أنا الفاقدة لعقلي في نظر البشرية! تلك البشرية التي تضحك لي في المساء وحين يأتي الصباح تطعنني دون هوادة، فأي هراء هذا!
يا رفاق.. نحن في عالم يقتل الجمال والبراءة والفنون بسكين بارد، بل ويسير خلف النعش صارخًا بالعويل ويُقيم المآتم وكأنه لم يفعل أي شيء!
عالم يتغنى بحقوق الإنسان هُنا وهُناك، والحق أن الإنسان فيه أبعد ما يكون عن قيمته! لا معنى لوجوده، لا جدوى لأنفاسه ومشاعره، هو مجرد اسم على ورق أبيض، أداة تتلاعب بها أنامل المصالح وقوى الشر بأنانية مفرطة، وهو العار بحذافيره!
كيف أصف لكم حالي باختصار وداخلي يحترق؟!
سأحاول..
لقد تجرعت الصبر لأتحمل هذا الكوكب بحماقته وأنا في مقتبل حياتي، لم أتجاوز بريق العشرين بعد! فكيف تكون ملامح أزمة منتصف العمر وأنا أنغمس بها الآن؟!
أتساءل..
هل ستكفيني مئات الدفاتر لأكتب عن أوجاعي وانتصاراتي الخفية ودموعي الملتهبة؟
هل تداويني الحروف وتهدأ من فزعي كلما اشتد بي العذاب أم هي وصفة رديئة؟
هل التعبير الأدبي وحده يكفي لوصف حال مقزز نعيشه؟!
آمل ذلك..
ولكني لن أتنازل عن القلم..
لن أحقق للكون مراده وسأظل أكشف نواياه الخبيثة وأعلن إفلاسه الإنساني، والمؤكد أنني أعمل جاهدة كي لا أترك فرصة لغابة الدنيا أن تعبث بي وتروضني كما تشاء، مهما وجدت منها من ظلم وقهر واستعباد..
لقد بدأت أخيرًا في تمرين كياني بأن ينتظر المزيد من اللا منطق من رحلة هي في الأساس "عدم"! بداية إلى زوال، لا أتوقع الأسوأ ولكن أتأهب له، وشتان بين هذا وذاك.. وكم كانت خطوة موفقة أن لا يصدمك الواقع بعدد شعر رأسك!
أنا اليوم أعمل بكل الطرق لأحافظ على إنسانيتي وبقايا سلامي الداخلي بعد أن لطخته ألاعيب الشيطان، أخشى أن يكون انتصر في خطته على يد مخلوقات الأرض، ولكن للعمر بقية لنحسم الجدال..
وختامًا.. أعتقد أن التحدي الأهم في وضع كهذا، أن تحرس كيانك وتحافظ عليك من مخالب الزمن.. فقط..
عزيزي الإنسان.. احذر من مساومات الدنيا، ستمارس معك أشرس أساليبها، وأوله أسلوب الإغراء والتحايل لتنال ما تريد، إياك أن تُمكنها منك.. إياك..
وتذكر.. لا شيء قادر على إنقاذك سوى بقعة النور الكامنة بروحك..
لم أقصد نشر حالة من الضيق أكثر مما نحن عليه، ولعل السؤال لا يحتاج لمقالي الثرثار هذا، ولكني بفضله أدركت الحقيقة ولم أستطع كتمانها.. الموت ليس الشبح المخيف، إنها الحياة! فكن يقظًا..
هل وصلتك الإجابة؟
لا عليك.. أنا بخير حتى إشعار آخر.