تختبر الحياة صبري وقوة تحملي كل عام .. ولكني دوما أعافر ولقد سئمت وضع الإمتحانات المستمرة والعزلة بين كتب ومعلومات لا منتهية ..
ولقد كان خبر اشتعال فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا اليوم أثره السيئ أيضا علي نفسيتي .. فأنا أمقت التوتر العالمي بكل أشكاله .. وأمقت الحروب والثورات وكل أشكال القتل والعنف والنزاع .. وكل الألم لبني الإنسان ...
فيصيبني احساس اللا أمان والتوتر يتزايد بداخلي فوق ما بي بالفعل تلك الفترة أصلا..
أن يوضع الإنسان دائما في ضغط نفسي .. لا يعرف ماذا سيفعل في الخطوة اللاحقة.. وماذا يجب أن يفعل ...
أنا تائهة جدا .. ما إن اهتديت لفترة في حياتي فمن ثم تظهر لي أشياء تعكر صفو حياتي مجددا ..وتبدد كل خططي اللاحقة..أو علي الأقل تؤجلها لفترة ما...
أهي مشكلتي أنني قد اخترت الطب سبيلا .. أم هي مشكلة جيلي كله ...لا أعلم ...
ولا أعلم متي سأصبح حرة ..
أريد فقط ألا أوضع في موضع المذاكرة الجبرية كأسير ملازم لنفسه ولجدران كتبه..
سئمت ذاك الوضع .. والحياة خارج تلك الأسوار تبدو لي عادية برغم صعوبتها ..
ولكني تلك الفترة أباشر عملي بالمستشفي أيضا ومن ثم لأعود لمذاكرتي ..حياة روتينية مملة ...
أحب الممارسة الفعلية للطب بشدة وأمقت عزلتي بين كتب الطب ..
وحظي السئ أنني دوما أمتحن طيلة سنوات الطب أغلبها وقت الشتاء والمطر يزخ وأنا استمع لقطراته وهي تتساقط ...
وضع ممل جدا بالنسبة إلي يذكرني بسنوات الكلية .. يذكرني بأوقات أكرهها وبشدة بالغة ...
لقد نال الطب مني وبشدة وضريبته أنني أحتمل أشياء كثيرة فوق طاقتي ... اعتدت كتمان ما يزعجني ..فذلك ليس بأمر جديد ...
صرت اكتم غضبي مما يزعجني.. صرت اكتم خساراتي ..ولا أشكو ألما لأي مخلوق ...
لقد كانت ضريبة دراسة الطب مؤلمة بالنسبة إلي .. علمتني الصبر وبشدة .. ولكنها علمتني معه ألا أشرك أحد همي أبدا ..
لم أعتد أشكي مشاكلي لأهلي كإخوتي إلا قليلا .. فصرت أكثر نضجا ..
أقابل الصدمات بنفس راضية ..
وأقابل مشاكل الحياة وخيباتها بمزيد من الأمل ..
أمل يتجدد تلقائيا من دون إرادتي بعد كل خيبة وإنها لميزة عظيمة ..
ولكنها تجعلني بكل مرةألا أثق بأحد و ألا أبوح لمن حولي عن همومي التي تحوطني ...
أحببت الطب كثيرا وما تمنيت شئ بحياتي أكثر منه .. ولكن إن صارت لدي ابنه يوما ما بالمستقبل فلن أشجعها عليه .. فهو فعلا قاتل جدا ...فذلك الدرب يحتاج إلي طاقة نفسية هائلة ...
وليس كل البشر لديهم الصبر والقوة علي التحمل ..
لقد كانت قوتي وصلابتي مستمدة من أبي فأنا أعيش به حتي بعد رحيله ولكنني أفتقده بشدة في كل مصاعبي ومتاعبي مع الحياة ..
كم أتمني لقاءه الآن وأن أرتمي في حضنه وأبوح له بمشاكلي كما كنت أفعل وأنا الطفلة صاحبة الخمس سنوات أو العشر سنوات .. أو حتي صاحبة الستة عشر عاما آخر سنواتي مع أبي ومن ثم رحل ..
أيامي الجميلة التي لم تكن همومي كبيرة وقتها فلم تتعد. كوني فقدت نقودا.. أو أنني قد أخطأت بأحد اختبارات المدرسة ..
أو أن أحدهم ضايقني بموقف ما ..
كانت همومي صغيرة جدا ولكنها في نظر أبي كانت محط اهتمام بالغ ..ولم أجد سوي بعض الكلمات التي تطيب خاطري وتهون كل مصاعبي ..
لقد كان أبي عظيما جدا .. أقسم بالله أنني إن تمنيت زوجا لن أتمني سوي شخص بصفات أبي ولو بنفس صفاته فأنا راضية ..
كان أبي بسيطا محفزا حنونا دافعا للأمام دوما .. افتقدك يا أبي جدا ...
الآن همومي كبيرة ولا أبوح لأحد..
الآن مصاعب الحياة كبرت كثيرا ولكنني صرت أكثر صمتا .. أتحدث في كل شئ وعن كل شئ فأنا متحدثة بارعة ومستمعة جيدة حتي إنك بالكاد تشك بأن لدي هما واحدا ...
أهذا كله كان ضريبة الطب ...
نعم لقد جعلني أستمع إلي شكوي غيري ولكن لا يحق لي بأن أشكو ...
حتي وقت عملي بالمستشفي وأنا أستمع لكل هؤلاء ورأسي يزدحم وتتملكني نوبات الصداع الشديدة.. ويكاد رأسي ينفجر ومشكلتي أنني لا أتناول أية مسكنات طيلة عمري ...
لقد كان مسكني الوحيد مج الشاي أو القهوة الذي لا يفارق حقيبتي أبدا ...
يرافقني في منزلي أو في السيارة.. أو بالمترو أو حتي بغرفة الكشف في المستشفي...
أستمع واستمع ولا أمل ولا حتي أبدي تعبي ولا ارهاقي ولا حتي أجرؤ لأن أعبس في وجه أحدهم من كثرة الثرثرة كما يفعل بعض زملائي ف العمل .. أقول لنفسه وما ذنبه .. لقد كان جزء من ضمير مهنتي لأن استمع ولأن احتمل تلك الثرثرات التي قد تخرج عن سياق الشكوي إلي الثرثرات العابثة في اللاشئ من جانب بعض المرضي ..دوما مبتسمة للجميع ...فأنا طبيبة لا يليق بي أبدا إلا أن أكون مستمعة جيدة جدا...
حتي إن رآني أحدهم صامتة يوما ما ..بادر علي الحال بسؤاله عما إن كنت بخير اليوم .. فإنهم بالكاد وبالقليل بل نادرا ما يروني عابسة لقد كنت دوما مبتسمة مستمعة إليهم ..
وفي الوقت الذي كانت لنفسي علي حق .. فهو أيضا ليس من حقي ...
يا الله كم أنت مطلع علي ضغطي النفسي تلك الفترة .. وكم أنني سئمت تلك الفترة المتكررة في حياتي وفي نفس التوقيت من كل عام غالبا ...
إني حقا تعبت وضاقت بي الأرض ...ولا أعلم إلي متي سأظل في ضغط نفسي تلو الآخر ...
يا الله هونها لتمر تلك الفترة سلسلة علي قلبي حتي مجئ الصيف فيهون علي قلبي مآسي الشتاء ...وليرحل الشتاء فأنا لم أعد أحتمله أبدا..ولا أحبه ولا أحب أحداثه ...فليذهب ومعه كل ضغوطي النفسية أبدا.......
بقلمي: إيمان فايد
طبيبة بشرية
الجمعة: ٢٥ فبراير ٢٠٢٢
-
Eman Fayed5Th Year Medical Student..Faculty Of Medicine ..Tanta University..Egypt writtting..reading❤️❤️ Article Writter..veto gate..