سيكولوجية الأمل عبر التاريخ! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سيكولوجية الأمل عبر التاريخ!

رفيق الشرماني- مدون يمني

  نشر في 06 يناير 2017 .

التاريخ البشري إنما هو تاريخ امتزاج دافع الأمل بمعطيات التطور المادي للتاريخ، فالتطور الاجتماعي للحضارة برمتها، مشهد يعكس في بُعده الخاص والعام رحلة الإنسان المكافح من أجل بناء تاريخه الانساني الحضاري ، ولاشك ان مثل هذه الغاية المتلازمة مع تلك الرحلة وذلك الكفاح تمثل في واقع الأمر القاسم المشترك لقرون من التطلعات الإنسانية، يمكن تحديد بدايتها مع بداية التاريخ وحتى هذه اللحظة، ولذا فإن قراءة الدلالات التي ينطوي عليها ذلك القاسم المشترك تؤكد على حياة الامة المتجددة وفاعليتها المتواصلة، بغض النظر عن تضاريس الزمان والمكان. ولذلك لا يجدر الكف عن التفاؤل الهادئ أمام مشاهد التاريخ التي تخبرنا بأن تاريخ الامم يدرك بكثير من الجهد والامل، وللوقت مدلوله النفسي وانعكاسه على أحوالنا الاجتماعية، خاصة وأنه في العقود الأخيرة أصبحت الاحداث تتسارع وتأخذ منحى أكثر عمقاً ويؤثر في سلوكياتنا ونمط حياتنا،

إن الشعوب والأمم تحتاج إلى الأمل كما الفرد، فليس الفرد فقط هو من يعيش بالأمل بل الشعوب أيضا، فالأمل هو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغير اجتماعي يتسم بالوعي والتنظيم، وقوة أساسية في حياة البشرية، فهو من أقدم الفضائل وأكثرها أهمية في حياة البشر، إذ يجعلهم ينظرون إلى العالم على أنه مكان يستحق أن يعيشوا فيه، وبالتالي يصعب عليهم العيش بدونها.

يقول فيلسوف الأمل "ارنست " الغد يحيا في اليوم، والناس تتطلع إليه على الدوام، إذ يرى أن البشر كانوا دوماً يتحركون بتأثير فكرة، أن أفضل ما يرتجونه من أوضاع لم يتحقق بعد، وأن تاريخهم إنما هو تاريخ امتزاج دافع الأمل بمعطيات التطور المادي للتاريخ.

اليأس أمل مؤجل!

اليأس مثل الأمل يصنع التغيير أيضاً، فكلاهما صنعا التقدم البشري، هذه الجدلية النادرة باتت تتفاعل اليوم في التاريخ الحاضر للامة العربية على نحو جديد وغير متوقع، فاليأس يفتح سيكولوجياً بوابة إلى الأمل، بل الى التحدي، وهذا ما بدأ ينمو اليوم، فالأمل ليس هاجساً ، بل مبداً أخلاقياً موضوعياً فاعلاً في كل معادلات التغيير وبناء الامم عبر التاريخ، فالشواهد التاريخية والنفسية تدفع الانسان والامم الى الأمل بعد الياس لتصنع تاريخاً جديدا.

فلقد أمدّ القرآن أممه بهذا الشّعور بأسلوب يَخرج من الأمة الميتة أمة كلّها حياة وهمة وأمل وعزم ، ولقد عاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على الذين يُنفرون الناس، ويَضعونهم في موقع الدونية والهزيمة النفسية، فقال صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل: هَلك الناس، فهو أهلَكهم).إن الانحدار إلى القاع ليس هو الكارثةَ، لكن الكارثة هي الاعتقاد أنه لا سبيل إلى الخروج من القاع، إن الدواء ليس في بكاء الأطلال وندب الحُظوظ، وإنما يكون في الترفع عن الواقع ومحاولة تحويل عوامل الضعف إلى قوة، واليأس الى أمل ، والهدم الى بناء ونهوض وتعمير،

إنَّ قراءة التاريخ في أيام الأزمات ،يمنحنا الأمل بأن الواقع سوف يتغير، فقد نجا الله موسى وقومَه بعد صبر وجَلد، وهجرة ومطاردة،﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).

و لقد بين لنا القرآن الكريم نموذج أخر من هذا الأمل في قصة يوسف عليه السلام، حيث لم ينقطع الأمل عن يعقوب عليه السلام لما فقد يوسف، وازداد أمله في الله حين فقد الابن الثاني ،فقال ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ وعسى عند اهل اللغة تفيد الرجاء واليقين.

نحن أمة لا تموت!

محمد رسول الله نبي الأمل الى الانسانية كلها، هُجر من أرضه وهاجر قومه الى الحبشة والى المدينة ،هاجروا لبناء تا ريخ لا يأس ولا جمود فيه، وعاد النبي صلى علية وسلم الى مكة فاتحا، وعاد اصحابه مفاتيح نور وحياة وأمل وتجديد عادوا فاتحين مُبشرين بأمل جديد وبنفوس تحمل البناء والعفو.

فلو قدر لهذه الأمة أن تموت، لماتت يوم حوصر عليه الصلاة وسلم في الغار، ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم أُحد، ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم الخندق، يوم الأحزاب ، المعركة التي لم تكن معركة خسائر بل معركة أعصاب وبقاء وبشائر بالفتح، ولو قدر لهذه الامه ان تموت لماتت يوم توفي النبي علية الصلاة والسلام ، ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم الرده، يوم تخلت العرب عن دينها وعادة لجاهليتها، لولا ثبات الصديق وأيمانه بسمو مبادئ الرسالة الاعظم في تاريخ الحياة.

ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم اجتاح التتار بغداد، يومها كانوا كما اليوم في حلب الفيحاء، يمارسون تدمير المدن، وخراب العمران، يومها عملوا في الامه مالم يعمله احد قبلهم، أسقطوا الخِلافة، وعطلوا الصلوات، وألقوا الكتب في نهر دِجلة، حتى اسود ماؤه من كثرة ما سال مِن مِداد الكُتب، حينها قال المؤرخ ابن الأثير " ليتَ أمي لم تلدني، ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيا" .

ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم اجتاح القرامطة مكة ، وذبحوا الطائفين حول بيت الله، واقتلع زعيمهم يومها الحجر الأسود من الكعبة، ووقف يصرخ بأعلى صوته في ساحة الكعبة "أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل" فالتاريخ يعيد نفسة اليوم في حلب بصور مختلفة.

لو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت في الجزائر على أيدي الفرنسيين ، و لماتت في البوسنة على أيدي الصرب، ولماتت في الشيشان على أيدي الروس، ولماتت في بغداد ، وفي حلب، لكنها أُمةٌ لا تموت لأنها أمة رسالتها الأمل والتعمير.

سيكولوجية الأمل الواقعي!

فالأمل الموضوعي القائم على اعتبارات عملية تنبع من الجُهد الإنساني يعتبر أساسي في تنشيط حركة التاريخ وتسريعها، وجعلها تتغلب بيسر على ما يعترضها من صعوبات ومعوقات، يرفض الواقع التجريبي الحافل بالمعوقات نحو مستقبل مثالي مشروط بالعمل، ومن وجهة نظر سيكولوجية يمنح الأمل الإنسان شعور اكثر من مجرد المواساة وسط الأحزان، فالإنسان يعيش في الحاضر مشدوداً بين وترين، الماضي والمستقبل، فهو يحمل الماضي في وعيه، وفي ذاكرته، وفي تركيب جسده، مثقلاً بأحزانه وأفراحه، ومخاوفه وآماله، مندفعاً بها نحو المستقبل، بل يؤدي دورا فاعلا في الحياة بصورة مدهشة، فالأمل يرتبط إيجابيا بالثبات الانفعالي والصلابة النفسية والرضا عن الحياة،

أن الإحساس بالأمل احد العوامل المهمة والمؤثرة في تحقيق الاستمرار في الحياة الحضارية، فالأمم تحتاج إلى الأمل كما الفرد، فليس الفرد فقط هو من يعيش بالأمل بل الشعوب أيضا، فالأمل هو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغير اجتماعي يتسم بالوعي والتنظيم، وقوة أساسية في حياة البشرية.

يا أنت.. الأمل تصنعه إرادة نابضة عرفت كيف تتحرر، نفس تضيئ ،وهمة تتوقد.



   نشر في 06 يناير 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا