حقيقة وجود المسيح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حقيقة وجود المسيح

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 08 فبراير 2019 .

حقيقة وجود المسيح

ليكن في العلم أني أبداً لن ألج هذا الموضوع بأي نية غير سوية، فمبادئي وأخلاقياتي تفرض عليَّ المصداقية والاحترام، فالديانات لها اعتباراتها المقدسة، واحترام هذه القدسية واجب انساني وأخلاقي مهما كانت طقوسها الواجبة التي يفرضها اختلاف الثقافات، وما جعلني أبحث في هذا الشأن بالذات، تلك الغرابة التي تتأتى دائما عن أتباع العقيدة اليهودية في ميلهم العجيب إلى الغش والتزييف والتشكيك حتى بالديانات.

إنما أي صدفة تلك التي تجعل قصص الأديان تتشابه بهذا القدر وتلك الدقة مع أساطير الأولين؟ فقصة النبي نوح مثلاً، وحادثة الفيضان العظيم، وسفينة النجاة ترد في أكثر أساطير الشعوب على وجه هذه الخليقة في قاراتها الخمس.

فبأي شكل كانت تصل أساطير القدماء إلى مدوني الديانات؟.. فيتشابه السرد والأحداث مع اختلاف الأسماء، وقد يدخل بعض جوانبها التغيير تبعا للمنطقة.

اليهود أمة عجيبة في قدرتهم على التأليف في الغرائبيات العجيبة، وخيالهم الشيطاني الشاطح، فقد أشبعونا بقصصهم الأسطورية التي يألفونها لغايات تحكم طويل الأمد بالآخر يدخل في صميم المعتقدات، ليعودوا في وقت لاحق يفندون ما ادعوه وحبكوه، فيدعون اليوم على أنهم إنما راغبون بالتصويب لتغيير ما سبق وزرعوه في عقول الناس زيفاً وبهتاناً بعدما حولوا أكاذيبهم إلى معتقدات.

فعن الكاتب والمؤرخ اليهودي (غادي يونا) صاحب كتاب (رمز الحكماء) الصادر باللغة العبرية، تطرق فيه إلى استنتاج حصيلة أبحاث غريبة مما ادعى أنها الحقيقة الدامغة التي لا يرائي بها، وهي أن السيد المسيح ليس شخصية تاريخية، وإنما هي شخصية أسطورية اخترعها حاخام يهودي اسمه (اليعازر بن هوركانوس) وهو نفسه مؤلف الأناجيل الأربعة، ومدعي حادثة الصلب، وهو ما يتعارض والسرد التاريخي للمؤرخين الرومان يوسيفوس وتاسيتوس وغيرهم كثر.

ويذكر ذلك بناء على بحث أجراه الكاتب غادي يونا حول هذا الحاخام بن هوركانوس واصفا إياه بالكاهن الكذاب المزوِّر والمدّعي الفاسد، وأنه سجل بالأناجيل قصص معاناته هو شخصياً وألصقها بشخص المسيح تحفظاً لتخوفه من ملاحقته من قبل حاخامات اليهود، مستنسخاً أسطورة وثنية قديمة.

لم يأتي هذا المؤرخ اليهودي بحجج موثقة ومؤكدة بما يدعم هذا الاستنتاج الذي تجشم له كل هذا العناء ليخبر به منتسبي الديانة المسيحية، ويشككهم بحقيقة رواية المسيح غير إثارة سحابة من الغبار سرعان ما تتبدد ويرحل أثرها.

ففي نصوص (لفائف خربة قمران) التي تسمى أيضاً (وثائق البحر الميت) وعددها 850 مخطوطة، أي ما يزيد عن أربعين ألف صفحة تشكل مكتبة كاملة، تخص جماعة (العيسيين) أو (الآيسيين) تتبع طائفة من اليهود المُترهبنين المُنعزلين، فقط مجموعة من الذكور، كانوا قطنوا في خربة قمران بأعالي جبل من جبال القدس مطل على منخفض أغوار البحر الميت بعيداً عن القدس لأنهم كانوا يؤمنون أنّ رجال الدين هناك افسدوا معتقدهم التوحيدي وابتعدوا عن شريعة يهودا وانساقوا مع الثقافات الوثنية اليونانية وذلك في القرن الثاني قبل الميلاد، والرهبنة عُرفت بهم لأول مرة في التاريخ، إلا أنّ خربتهم قمران دمرت بفعل الزلزال عام 31 ق.م، لكنهم فارقوا أطلالها مع الاجتياح الروماني عام 71م، وأخفوا كتبهم داخل 11 كهف بالمنطقة قبل رحيلهم عن فلسطين.

بعض هذه المخطوطات مكتوبة على الجلد وأخرى مكتوبة على ورق البردى، وجدت داخل الكهوف المحيطة بالخربة عام 1947م وما بعدها، وتعتبر من أهم الوثائق الدينية المتعلقة بالديانتين اليهودية والمسيحية، بعضها يطابق ما ورد في التوراة من العهد القديم، وبعضها يلقي أضواء جديدة مهمة على المرحلة التي عاش فيها المسيح، ونادى بمبادئه على ما نزلت عليه من السماء، وهي المرحلة التي يكتنفها الغموض الشديد، نظراً لشدة التحريفات التي أدخلت على عمليات التسجيل الديني في القرون التي أعقبت انتشار المسيحية خاصة في مرحلة تحول أمة وثنية حاولت تقريب فكر المسيحية من فكر الوثنية، حتى تحد من ثورة الناس الرافضين للتغيير العقائدي.

تشيرهذه النصوص بوضوح لبعض الأحداث المهمة التي حدثت في مرحلة وجود المسيح، وقد تبين بوضوح ذلك البون الشاسع بين ما وجد بالمخطوطات وبين الأناجيل المحرّفة في بعض المواقع.

جميع هذه المخطوطات هي الآن في حوزة اليهود، استولوا عليها بُعَيْد احتلالهم مدينة القدس عام 1967م، وفي اللحظة الأولى التي وطئت أقدامهم أرض مدينة القدس العربية سارعوا إلى الاستيلاء على مخطوطات البحر الميت المعروضة في متحف القدس.. بل سارعت حكومة الاحتلال إلى إخفاء الكثير من هذه المخطوطات بعد ترجمتها لاحتوائها على معلومات من شأنها أنْ تهدم أركان الديانتين اليهودية والمسيحية بصورتهما الحالية على ما ذكره الدارسون الذين اقتصروا على المسيحيين واليهود، لأنّ هذا الجزء يتحدث عن صفات (معلم الصلاح) المفترض أنه الشخصية المحورية للعيسيين طائفة خربة قمران، والذي يتضح أنه عيسى ابن مريم وديانته الجديدة النظيفة من الشوائب.

وقد أشرف عدد من الباحثين المسيحيين الأجانب واليهود على ترجمة هذه المخطوطات التي كتب بعضها بالسريانية، وأخرى بالعبرية القديمة، والأرامية، وأخرى باليونانية، منهم العالم الفرنسي الأب رولان ديفو، وتعد مؤلفاته عنها مرجعاً مهماً، وعالم الآثار الاسرائيلي أهارون كمبيسكي، القائل: " لو قبلنا بيهودية طائفة قمران فهذا يعني بطلان اليهودية والمسيحية الحالية المنشقة عنها" الأمر الذي جعلهم يخفون بعضها مما رأوا فيه تهديدا ليهوديتهم وللمسيحية، وجعل حكومة الاحتلال بالتالي تمنع الإطلاع عليها إلا في حدود ضيقة اقتصر على العلماء اليهود فقط مع الاشتراط بعدم النشر إلا بعد أخذ الموافقات الرسمية، واقتصر النشر على بعض الاستنتاجات فقط، لأنّ المخطوطات هي أقدم ما عُثر عليه من العهد القديم، خاصة تلكما المخطوطتين التي عثر عليهما الشابان الراعيان من بدو التعامرة في البداية، كون المخطوطتين كانتا محفوظتان بطريقة جيدة داخل الجرار ومختوم على فوهة الجرار بالرصاص، ومحتواهما كما نقل عن الدارسين فيه اختلاف طفيف في بعض المواقع عما هو موجود حالياً.

وكان الشيخ عبد المجيد الزنداني ذكر في معرض بيانه عما اكتشف في هذه المخطوطات من أمور تقلب ظهر المجن على عَقبه: "أنْ ربما تكون وثائق البحر الميت قد تسببت في موت بابا الفاتيكان يوحنا الثالث والعشرون عام 1863م وقد كان اتخذ اجراءات الإعلان أن هذه المخطوطات قد بينت حقيقة شخصية المسيح الحق، مؤكداً أن الوصف جاء على صورة ما ذكره القرآن الكريم، والمسلمون هم الفرقة الناجية الوحيدة" قاصداً بالناجية من ألاعيب اليهود وتزويراتهم.

حينها اعترض سفير اسرائيل لدى الفاتيكان بشدة وأثار المسألة ضد البابا يوحنا، ثم ما لبثوا داخل جدران الفاتيكان أنْ وجدوا البابا ميتا على فراشه، في أقصر مدة يمسك بها طوباويا زمام البابوية (5سنوات)، والمعروف أنه أول من فتح أبواب الكنيسة الكاثوليكية على العالم مطالبا بحوار الأديان وبالشفافية ويُعتبر في ذلك رائداً، وكان بدأ بتطبيق إصلاحات على الكنيسة وأسس المجمع الفاتيكاني رغم التخوف الذي أبداه بعض الأساقفة من أنْ يُشكك البابا ببعض المسلمات المسيحية.

وفي الحقيقة الدامغة أنّ العلماء الباحثين في المخطوطات من كلا الديانتين المسيحية واليهودية راح كل فريق منهما يُريد أنْ يُقيم الحُجة على أنّ تلك اللفائف المخطوطة تمثل جزءاً من تراثه الديني الخاص، فاليهودي يملك أجندة الرغبة في إثبات أنّ الأرض أرضه ولو لجزء يسير من الزمن، وحتى يبرروا لأنفسهم احتلال الأرض والإحلال محل شعبها، والمسيحي يريد اثبات صحة العهد الجديد، وحقيقة وجود المسيح وسمو ديانته التجديدية، وكما نلاحظ أنْ تدخلت الأهواء في تحول اتجاهات الترجمة في بعض المواقع من كلا الطرفين، خاصة أن أغلب المخطوطات عبارة عن فتات ورق متناثر بالكاد يمكن قراءته، والنواقص فيه كثيرة مما يجعل الأهواء تدخل في تتمة هذه النواقص، خاصة حين اعتمادهم على العهد القديم والعهد الجديد للمقابلة والمضاهاة.

فقد عثر بالكهف رقم (5) على ذكر أوصاف للمسيح على أنه يملك القوى الجبارة في علاج المرضى والأعمى والأبكم والأبرص ويحيي الموتى، وفي كهف (1) وجدت قصاصات تتحدث عن عقيدة الطهارة بالعماد، وذكر الروح القدس، وابن الإنسان، لكن لم يذكر لفظ المسيح أو عيسى أو يسوع في المخطوطات، وإنما كان يذكر إسم (معلم الصلاح) وهو أمر غريب عكس ما أورده المؤرخين الرومان.

فالمؤرخ كرنيليوس تاسيتوس المولود بعد خمسين عاما من ميلاد المسيح يذكر المسيح والمسيحيين في معرض اتهامهم بحرق روما من قبل نيرون، وايقاعه العذاب عليهم، ويعود لذكر المسيحية في حادثة احراق الهيكل.

والمؤرخ الروماني الساخر لوسيان من القرن الثاني بعد الميلاد يذكر المسيح وأنه صلب في فلسطين بتهمة اتيانه بدين جديد.

والمؤرخ اليهودي فيلافيوس يوسيفوس المولود في 37م وصار فريسياً في التاسعة عشرة من عمره ثم قائدا مقاتلاً لفريق من اليهود فيذكر المسيح واتباعه الذين آمنوا به، وتعرضه للصلب وخروجه من الموت بعد أيام ثلاثة ليلتقي أتباعه.

وقد عثر على مخطوطة كتبها الأسقف أبابيوس في القرن العاشر الميلادي باللغة العربية عنوانها ( العنوان المكلل بفضائل الحكمة المتوج بأنوار الفلسفة وحقائق المعرفة) ذكر فيه أنهم وجدوا في كثير من كتب الفلاسفة ذكراً للمسيح وصلبه.

وحاكم بيثينيه في آسيا الصغرى عام 112م كتب إلى تراجان الامبراطور الروماني يسأله هل يستمر بقتل المسيحيين وقد أجبرهم على الركوع لأوثانه؟

ثالوس المؤرخ السامري من أوائل من ذكر المسيح عام 52م لكن كتاباته فقدت وما بقي منها هو ما كان نقل عنها من مقتبسات الكُتّاب كمثل ما اقتبسه أفريكانوس المسيحي عام 221م، "أن الظلمة التي حلت يوم صلب المسيح ليس صحيحاً أنها بسبب كسوف الشمس، لأن كسوف الشمس لا يحدث في وقت كمال القمر، وحادثة الصلب حدثت وقت اكتمال القمر في يوم الفصح".

والمتحف البريطاني يحتفظ بمخطوطة تعود لما بعد عام 73م عبارة عن رسالة من أب سوري من داخل سجنه لإبنه يشجعه على الحكمة والموعظة فيقول: "أي فائدة جنوها من قتلوا سقراط وفيثاغورس والمسيح، فالله انتقم من قاتلي سقراط بأن أنزل عليهم الجوع والوباء، ومن قاتلي فيثاغورس أن أغرقهم بالماء، ومن اليهود أن أذهب أمنهم وشتت شملهم، وظل ذكر الثلاثة سقراط وفيثاغورس والمسيح حياً إلى ما شاء الله".

في موقع مملكة طيبة في صعيد مصر عثر تاجر جمال في رمال الصحراء على مخطوط لانجيل قبطي قديم جدا يعود لأوائل مرحلة انتشار المسيحية خاليا من أي ذكر لحادثة الصلب، لكن هذا لا يشكك بالمسيح وديانته، فالكتبة مجرد بشر لم يكتبوا الأناجيل في عهد المسيح، وحين أمر الامبراطور قسطنطين بجمع الأناجيل المتداولة ثبت وجود المئات منها وبأكثرها لا تشابة بها فأمر باعتماد أربعة أناجيل فقط تلك المتتداولة حتى الآن.

وبعد.. هل يحق لهذا اليهودي المدعي (غادي يونا) أن ينسف اليوم حقيقة ثبوتها حق اعتمدته شواهد عديدة خلال أزمان متعددة قريبة من وقت ميلاد المسيح؟

وهل سرد ميلاد السيد المسيح هو الجزء الذي داخلته الأسطورة اليهودية؟


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 08 فبراير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا