أنْ تتكلمَ معكَ وهي تغسل الصحون وتسمع الموسيقى بذات الوقت, فهذا شيء عادي تفعله كل أنثى أعرفها ولا أعرفها أيضا. أن تُعدّ الشاي وهي تدندن لحن أغنية ما, وتفكر بذات الوقت ماذا ستطبخ اليوم وماذا ستشتري من السوق لاحقا, هذا أيضا ليس غريب على حواء!
أنْ تثرثر مع صديقتها على المحمول, وهي ترضع طفلها, ثم يرن جرس الباب فتبقى على الخط مع صديقتها وهي تحمل طفلها, ووسط هذا كله تستمع بحرص إلى ما يقوله مندوب المبيعات -الذي فتحت له- عن منظف منزلي خارق, وتُصدر قرارا بشراءه أو عدم شرائه وهي ما زالت محافظة على توازنها بحمل طفلها في يد ومحمولها باليد الآخر, مع تركيزها التام في حديث صديقتها وفي حركات طفلها. كل هذا طبيعي في عالم الأنثى.
أن تكون أمّا وموظفة ومعلمة ومنظفة وطباخة ومستمعة وحبيبة وزوجة واستشارية أزياء وخياطة ومنبه في بيتها. طبيعي... هذا ما تفعله المرأة.
تخيل لو سنحت لك فرصة أن تدخل داخل عقلها وترى التعقيدات المخيفة بداخله.
هناك يوجد ملايين الأسلاك المتشابكة مع بعضها. أسلاك لكل شيء ممكن أن يخطر على بالك... بيت, زوج, أثاث, أطفال, طبيب, سوق, طبخ, غسيل, تنظيف, أهل الزوج, أهلها, الأصدقاء, المستقبل, الوظيفة, الملابس, الجيران, الملابس الشتوية, العيد, امتحانات الأولاد, المناسبات, القهوة والشاي....الخ الخ.
ساعة صفا في المساء. تجلس مع الزوج جلسة هادئة, وهما يتفرجان على فيلم السهرة. الأطفال في الفراش. البيت نظيف. المجلى فارغ من الصحون المتسخة. وقرار طبخة الغد قد تمّ حسمه. عقلها ليس فيه سوى فكرتين أو ثلاثة تشغلانه.
تسأله برقّة: "بماذا يذكّرك هذا المشهد من الفيلم حبيبي؟"
يجيب: "المشهد الذي يذهب فيه البطل لطلب يد البطلة من أهلها؟"
"نعم."
"لا شيء." هنا الزوج لم يكذب أبدا. إنه فعلا لا يتذكر شيء له علاقة بهذا المشهد.
تنسى حواء أن الرجل كائن هشّ الذاكرة, وتُقرر أنه بُخلٌ منه في الرومانسية فتقول: "ألا تذكر يوم أتيتَ لخطبتي, كنتَ تلبس البدلة الرمادية وربطة عنق زرقاء, وكنت تلبس حذاءً أسودا جلديا, كان جديدا وصغيرا عليك. لذا كنتَ مزعوجا منه طوال الجلسة وكان العرق يتصبب منك بغزارة. وعندما أتيتُ لأقدّم لك فنجان القهوة ارتبكتَ جدا فحرّكت رجلك ودُستَ على طرف فستاني فكدتُ أن أقع لولا ستر الله. في ذاك اليوم كانت خالتي صفية عندنا وقد بكى ابنها الرضيع كثيرا فزاد الجو توترا, بعدها استأذنت لترضعه خارجا. مسكين لقد وُلد في الشهر السابع من الحمل في نفس المستشفى التي فحصنا فيها أنا وأنت قبل زواجنا, وهناك قابلنا صديقك الممرض زياد ألا تذكره؟! كان يدرس معك بنفس الجامعة وقد اكتشفنا أنه متزوج من ابنة عمة والدي صفية. مسكينة صفية لم تُنجب حتى الآن! هل تذكر عندما حضرت عُرسنا وكانت تلبس أبيضا مثلي وقد تضايقتُ منها وقتها. ثمّ......
توقفّت عن الكلام فجأة عندما سمعت زوجها يشخر: "خخخخخخخ....خخخخخخخ"
-
نور جاسماسمي نور. عراقية الأصل, أردنية المنشأ, أمريكية الإقامة, وهذا ساعدني كثيرا في التعرف على الثقافات المختلفة وإقامة الصداقات من كل مكان في العالم. أحب الكتابة/ أحلام اليقظة/الرسم/ السفر/ التمثيل/ الغناء/ الأفلام/ التأمل/ وال ...
التعليقات
مقال جميل دام قلمك.