حين تشاهد الآلاف عبر النت يسكبون سطلا من الماء المثلّج فوق رؤوسهم و بينهم رؤساء سابقون و عشرات من المشاهير و بعض من مالكي كبرى الشركات العالمية دون أن تعرف سببا لذلك ، ستستغرب كثيرا حين تعلم أن السبب هو نشر الوعي حول مرض " التصلّب العضلي الجانبي " و جمع تبرعات من أجله ..
و ستستغرق ثوان لربط الماء المثلّج بذلك و حين تعلم أن لا علاقة للمرض بالأمر ستدرك أن " الفصام " البشري لا حدود له و أن العالم يثبت يوميّا أن الرتابة تؤمن لك تذكرة مع أليس لبلاد العجائب ..
و ستقتنع أخيرا أنّ صاحب فكرة " تحدّي الثلج " شيء من أمرين : إمّا أنه ذكيّ جدّا أو أنّه اقتصادي جيّد ، و لن تحتاج فرضية أخرى بالتأكيد لتفهم أن إحدى المشاهير ظهر على الخطّ !
فالغريب أن الآلاف من مختلف دول العالم بمن فيهم مئات من المشاهير العرب تجاوبوا مع الأمر رغم تسجيل إصابات و أرقام محترمة بالمستعجلات، و رغم التحذيرات المتتالية لأطباء و اختصاصيين بأمراض القلب و قسطرة الشرايين من مخاطر تعرض الرأس لصدمة حرارية من شلال الماء البارد قد تصل حتى الإصابة بالسكتة القلبية ..
و هو ما يجعلنا نتوه من جديد في صفاقة و غرابة تصرفات الكثير من البشر ، ففي" التايلاند" مثلا و عند نهاية كل عام يتراشق العشرات سنوايا بآلاف المترات المكعّبة من الماء في مهرجان " سونغكران".. و يقيمون في مدينة أخرى مهرجان " بوفيه القرود " بأطنان من الفواكه و الخضر لاختيار القرد الملك و كأن القرود البشرية التي تعتلى الكراسي لا تكفي..
و في روسيا يتصارع و يتلاكم الأرثوذوكس كتقليد قديم قبل الأعياد حتى تتلطخ أجسامهم بالدم ، و بإحدى المدن الإيطالية يتراشقون بكميات هائلة من البرتقال و بإسبانيا بشهر غشت يلعبون و يضربون بعضهم البعض بالطماطم طيلة أسبوع حتى تصير الأزقة صلصة حمراء تسيل في كل الإتجاهات، و قبله بيوليوز يطلقون الثيران الهائجة في الشوارع و يركضون أمامها كالمجانين ثم بعد ذلك يحاولون تفاديها مذعورين ، و في إحدى الولايات بأستراليا يتبارى العشرات على من يرمي سمك " التونة " لأبعد مكان .. و في زامبيا و غزة و الصومال و الكثير من دول العالم ما بعد الثالث لا يزال الماء والكهرباء عندهم ترفا بالمعيشة !
و الآلاف كل عام يبدّرون الماء و الطّعام للاستمتاع بعادات غبيّة و سيّئة و يمنحون فقراء العالم جنائزا جديدة..
ترى أين كان هؤلاء الذين يصبّون المياه على رؤوسهم بدعوى التضامن حين مات المئات ظلما في دارفور و بورما و الأراضي المحتلة ؟ أين هم في كل مرة تُشرد و تُفجّر أرواح بريئة لا ذنب لها سوى أنها وقعت ضحية الهمجيّة البشرية ؟
و في الختم .. يحكى أن أشهر كذبة أبريل عرفها العالم كانت يوم أعلنت صحيفة انجليزية سنة 1746 عن إقامة أكبر عرض للحمير و حين تجمّع الناس لم يجدوا إلاّ أنفسهم .. والآن لا يحتاج العالم كذبة مماثلة لنعرف أننا عاطلون عن الحياة كما لا نحتاج ماء مثلّجا نسكبه على رؤوسنا منذ وضعنا مشاعرنا الإنسانية في ثلاجة !
-
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )علمية التخصص .. أدبية الشغف !