أنهكني إدراكي ! .. بقلـــــم / نـــــورا محمـــــد .
نشر في 17 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
أنهكني إدراكي حتى سلب مني إتزاني ! ..
وكأنه إنتهز فرصة هشاشة قوتي وما أصابتني الحياة من تشويش لرؤيتي فأطاح بي إطاحة الهلاك ! , أصبحت الخطوات مثقلة أكثر من قبل , بل أصبحت مستحيلة ! ..
تفنن في سحقي وكأنه قد وجد أخيراً فريسته المُستسلمة لأنيابه .. أنياباً قاسية , مؤلمة , بل هي قاتلة ! , لن تسمح لك بالفرار من قبضتها قبل أن تستلذ بمذاق فتور إرادتك , هو المذاق الألذ لديها وبه تستجمع قواها حتى تعاود بحثها عن فريسة جديدة فتستمر في جريمتها بحق الإنسانية بأكملها وليس بحق الإنسان فحسب ! ..
فماذا عنه إذاً ؟! ..
ماذا عن البشري الذي لا حول له ولا قوة أمام هذا الوحش الفتاك ؟ , أيسمح له أن يقضي عليه بلمح البصر دون أن يُظهر بعضاً من شجاعته حتى وإن كانت شجاعة مزيفة ؟ , حتى وإن كانت شجاعة مُفتعلة ؟ , من وحي لحظة نهايته , من وحي لحظة فناءه الأبدي ! ..
ثم أن الإدراك لم يكن عنيفاً لهذا الحد ! , كيف له أن يتبدل لهذا الوضع المُشين ؟! , كيف له أن يجعلك تراه حِملاً ثقيلاً يعتريك وأنت في التخلص منه " المقيد " ؟! , الغير قادر على إلقاءه بعيداً عن عاتقك ؟! , أصبح كــ أكوان تدور وأنت الفلك الذي يسبح فيه ! , أنت حصنه الحصين من أعداءه ! , ولكنه لم يعي أنك تراه كما يرى هو الكون حوله .. عدوه الأوحد الذي يطمح للقضاء عليه والتحرر منه , الوصول لنهاية حروباً دارت بينكما منذ الأزل ولكن ضحاياها أخذت في الإزدياد دون هوادة أو رحمة منه ! .. نعم , فهو الجاني الغير معترف بذنبه بعد ! , بل هو بذنبه فخوراً وكأنه فارساً مغوار إنتصر على شرور البشرية ! ..
نعم أرهقني .. ولم يكتفِ بهذا , بل أشاع الضيق حول أنفاسي هي الأخرى , جعلها كــ الأسهم العالقة بصدري وكل سهم يُصارع الأخر على الإستقرار في ضلوعي , كأنه ملجأه من التشرد الذي يلقاه بين نسمات الحياة ! .. فلمَ أدفع أنا ثمن قلة حيلته في النهاية ؟! ..
هدد إستقراري وأمني , وأصبحت أنا الشريد بين مواطن راحتي , أبحث هنا وهناك عن المنتهى لتشتتي , ولكني أعود مُحملاً بثقل أكبر وقد خذلني الأمل في العثور عليه ! ..
تقاذفني كما يتقاذف الطفل ألعابه في محاولة لكبت ملله وإرضاءاً لبراءته , ولكنه في النهاية يمزقها إرباً إرباً ! .. فهي لم تفي بالغرض وها هو الآن يبحث عن وسيلة أخرى لتفريغ طاقاته الطفولية العبثية .. ووسيلته تلك لن تهرب من مصيرها المُحتم مهما طال الزمن ! ..
عرضني على ضحاياه من البشر , حتى يُريني كم أصبح حالهم يُكتب فيه قصائد ورثاء ! , وحتى أتخذهم عبرة فأتجنب الصراع معه , أتجنب رغبتي في الحصول على معنى وجودي وجدوته .. أتجنبني ! ..
يالقسوته ! ..
كيف له أن يُفتت إتزانك فتغدو بطرقات الحياة ساحباً خلفك خطواتك بمنتهى العجز ؟! , كيف له أن يُضيق عليك طرقاتك في الحياة ويختصرها بطريق أوحد تتمنى أن تسلكه لنهايته بسلام دون أن تتعرقل بمنحنياته ؟! , طريق الوعي .. طريق الفهم ..
هو في حقيقة الأمر طريقاً للنجاة , ولكنه هو الأخر تبدل لطريق العذاب ! ..
فكم من بشراً تعذبوا حتى يصلوا لذواتهم من خلاله ! , وهم في ذلك أصبحوا المعذبون في الأرض بحق !
ومع الأسف .. بدلاً من أن يكن لك العون في سلكه بسلاسة , أصبح هو أول منحنياته التي أسقطتك وأدمت قدماك وجسدك البالي ! .. وأما عن قدرتك في الصمود والعودة لمحاولة سيرك مجدداً , فيكفيك التمني أن يحدث ذلك , ذلك الأمر الذي أصبح حُلماً بعيد المنال والسبب .. قليلاً من الإدراك , ولكنه بحيوات من الموت على قيد دُنياك ! ..