أين طاشت ابتسامة جيل الثمانينات؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أين طاشت ابتسامة جيل الثمانينات؟

لماذا رحلت سعادتنا ولم تبقى؟!

  نشر في 02 نونبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

لم أؤمن يومًا بصراع الأجيال، ولا تسرّب إلى مخيلتي أن هناك حقبة تعلو على سابقتها أو لاحقتها؛ فالأمر مَرَدُّه في النهاية إلى التتابع الزمني ليس إلا.

ولم أتصور أيضًا أن أكتب عن أبناء جيلي؛ فما المهم وما الداعي للحديث عن مواليد الثمانينات أصلًا؟!

لكن على أعتاب الأربعين؛ آثرت النظر إلى الوارء قليلًا، أو قُل إلى الوراء بعيدًا، أين نحن جيل الثمانينات؟! إلى أين ذهبت تلك الأشياء البسيطة الساذجة التي كانت تسعدنا؟!

قرأت خبرًا على موقع مجلة "إيسكواير الأمريكية" مفاده أن إحصائيات ثروات الأجيال كما وردت في تقرير البنك الاحتياطي الفيدرالي بمقاطعة سانت لويس الأمريكية تشير إلى أن الذين ولدوا في الثمانينات من القرن العشرين (يطلقون عليهم إصطلاحًا جيل الألفية) أقل بنسبة 34% مقارنةً بالثروات المادية التي جمعها من قبلهم ومن بعدهم.

العِبرة لا تكمن في المال والإدخار، إنما تبرز من أن هذا الجيل تحديدًا ظُلم نفسيًا، ليس فقط في جمع المال.

أو قُل فشل نفسيًا وماليًا على التتابع.. 

كيف لا وهو جيل التيه؟! هم أولئك المواليد الذين قضوا نهايات عشريناتهم من العمر (ثورة)، وأرهقت نهايات ثلاثيناتهم جائحة.... 

أما البدايات.... 

نشأ جيل الثمانينات وترعرع ومازالت المجتمعات الشرقية تحافظ على الحد الأدنى من الهدوء النفسي والتعايش الأسري، كما أن معلمين هذا الجيل في المدارس كانوا يملكون القدر الكافي من الحب والتعامل بروح الأهل، الحياة وقتها أسرة؛ فعائلة؛ فمدرسة، وأحيانًا نادي... وكفى. 

الدفء عنوانًا للمرحلة. مازلت أذكر لمحات مما كان يحدث حولي، مدرستي القريبة من منزلنا، وزيّها الزيتيّ اللون الذي لا يشبهه زيّ، كيف وهي الخاصة المتميزة عن مثيلاتها حتى في الزيّ.

فصلي الذي حمل الرقم 3 من صفي الأول للخامس، أحبه بمن فيه إلى الآن، لأنه كان كالرابطة، مستقل بذاته، المرحلة الإبتدائية كلها لا تزيد على 3 فصول، ومع ذلك تتناحر الفصول فيما بينها ويتشاجر طلابها تحت لواء رقم الفصل، كانت معارك صبيانية مضحكة الأسباب والأداء.

تاه من كانوا في الفصل جميعًا الآن، هل إذا رأيت أحدهم بالشارع الآن سأتذكره؟! وإن فشلت؛ فهل سيعرفني هو؟! لقد تبدلت النفوس وبهتت معها الملامح.

أذكر تلك الأم التي كانوا يصفونها بالأوراق الرسمية معلمة فصل، وناديناها (أبلة) "سيدة"، أعجوبة من أعاجيب الزمن، اسمها "السيدة زينب"، وهي حقًا سيدة، لما كبرت عرفت أن المعلمين وقتها مُؤهلين بما عُرف بدبلوم المعلمين، لا جامعات ولا مدارس لغات، ومع ذلك كانت "أبلة سيدة" قادرة على تحقيق هدفها العظيم بأدواتها البسيطة، لم تكن تُدرّس المسطور في كتب الوزارة وحسب، بل كانت تسعى لأن يكون أولادها الطلاب ناجحين أخلاقيًا أولًا، كم بذلت تلك المرأة الحديدية من مجهود؟! ليت الفرص تسنح لتقبيل يدها، لله درك يا السيدة.

شقتنا وقتها صغيرة بالمقاييس المعمارية، بالطابق الخامس العلوي، لها شُرفتين، أشتاق الآن للصغيرة مساحةً، لأنها كانت المستقر، المطالعة بدأت فيها، ومغامرات المراهقة المضحكة أشبعت حوائطها، منها كنت أُلوح بكلتا يداي لبنت الجيران التي لم أعرف اسمها، أظنه "هند"، لم تكن جميلة جمال فتيات الإنستجرام الآن، بل جمالها في وجلها وحُمرة خجلها واضطرابها خشية أن يرانا أحد... أين ذهبت "هند"؟!

نشرات الأخبار مقررًا يوميًا، عالقة بذهني حتى الآن صور أرتال الجنود المصريين المتحركة صوب حرب الخليج، لم أفهم وقتها أي حرب وأي خليج، لكني أتذكر حواديت أبي عن أحد أبناء عمومته وصديق عمره الذي زُج به معهم كتبِعة من تبعات رتبته العسكرية، كما أذكر فرحة أبي بعودة هذا الصديق والقريب سالمًا. حقيقةً حين ذهبنا إلى بيته بقريتنا البعيدة مُهنئين بسلامة العودة والانتصار، لم أهتم أبدًا بالسؤال عن المنتصر والمهزوم، وحين كبرت أدركت أن أجيالًا على الطريق - من بينها أنا - خسرت كثيرًا من تلكم الحرب وإن ربحها قريب أبي ورفاقه.

أتذكر زلزالًا داهمنا ونحن جلوس على وجبة الغذاء، أبي لم يكن معنا، في السعي والهرولة نحو الشارع لمحت نساءً بألبسة البيت الشفافة، ورأيت رجالًا يحملون على أكتافهم كل من استطاعوا من الأطفال، ذويهم وذوي غيرهم، في المسافة من باب الشقة إلى باب العمارة قالوا إن بنايتنا فقط ستنهار، ولما دلفنا للشارع اكتشفنا أن حال البنايات المجاورة من حالنا، مكثنا بالشارع زمنًا لم أستوعب مدته، أثناءه من دخن السجائر، ومن أخرج من كيسٍ لنفسه وأبناءه ومن حوله ثمرات الجوافة التي حملها وهو يهرول نزولًا؛ فتغدوا، الغريب أن أحدًا لم يُعنفه أو يهزأ بأنه ترك الثمين والنفيس من ممتلكاته ولم يحمل سوى تلك الثمرات الزهيدة، علها سعادة الهرب بالأكل من أحزان الموت تحت الأنقاض السبب. ومن بكى ومن صاح، ومن دعا الله، ثم عاد كلٌ منا أدراجه.

من منا لم يُغرم بجهاز الأتاري، ومن لم يقتل نفسه بحثًا عن صور ألبومات مسابقات شركات الحلويات والبسكويت واللبان الشهيرة، وأي مفخرة عند اقتناء شريط الكاسيت بنسخته الأصلية، منير وعمرو وأصالة وأنغام، ويا لك من فتى عظيم الشأن غزير الثقافة يا من تستمع أغاني مايكل جاكسون وبيريتني سبيرز؛ فالناس بما يشترونه ويسمعونه مقامات، ألم يأتك نبأ من صنفناه من عِلية القوم لأن أسرته تمتلك جهاز الفيديو.

تابع بنو الثمانينات رحلتهم بين قيم ماثلة وحداثة وافدة وتكنولوجيا جديدة نازعوا أهلهم في إكتساب مهاراتها، الانترنت وقتها رفاهية، غير أنه أصبح واقعًا، الوصول إلى عالمه يلزمه سلك تليفون أرضي وويندوز 95 مثبت على جهاز كمبيوتر الأصغر حجمًا منه وقتها يحتاج نفرين لحمله رغم أن قرصه الصلب لا يحمل غير 500 ميجابايت ملفات. الإنترنت نفسه وقتها كان بسيطًا وساذجًا مثلنا، ويُحتمل أننا السُذّج في التعامل معه، فلم يستهوينا من تدفقاته سوى غرف الياهو شات.

الحكاية أننا وقفنا بين عالم ينفتح علينا لنراه ونخبره ونخابره، وبين حميمية مجتمعية تسحب بُساطها لترحل في هدوء.

حين صرت جامعيًا أحببت أصدقائي من الصعيد (الجواني)، أذكر ذلكم المشاغب "محمد عماد" كثير الكلام كثير النوم عدو المرأة، ومع الكثير من الضحك، لم تمر المرحلة سلسة كما يبدو؛ فلم تسلم أيضًا من المُكدرات، من داخلنا ومن حولنا.

هذه السردية لا تتصوروها نستولجيا وحنين إلى الماضي، بل هي ضرورة نفسية كتلك التي فرضت نفسها على "محمد شكري" الروائي المغربي وألزمته كتابة روايته الوحيدة "الخبز الحافي" وإلا انتحر، كما حكى بنفسه للصحافة. 

وفيما دون الانتحار؛ هي ذات الضرورة ألحت عليّ لأشارك أبناء عِقدي الميلادي أسئلة...

لماذا رحلت سعادتنا ولم تبقى؟! 

لماذا لم تساعدنا التكنولوجيا - ونحن أول مستقبليها - في إراحتنا واستراحتنا؟!


هوّن الله عليك يا جيل الثمانينات....


  • 2

  • ذات الخير
    "الأصل في الكون السكون، والأصل في العلاقات الوحدة". إبراهيم عبدالمجيد.
   نشر في 02 نونبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

كنت أقرأ ،أتخيل..أتذكر ،وأقارن ،متعني حزنك الدافئ شكراً لك
1
ذات الخير
أسعدني تعليقك بشكل لا تتصوره، اكرمتنا أكرمك الله

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا