كل ما مرّ لم يشغلني كثيرا وإنما توقفت عند ملاحظة مهمة، وهي أنه لا يوجد في الفصل، بل في المدرسة كلها معاق غيري أنا! وكذلك لم يكن في عائلتي معاق غيري! ولا في شارعنا، ولا في بلدتي،،، ولم أر معاقين إلا عندما كنت أرتاد مركز التأهيل الشهير (الوفاء والأمل) منذ سنوات، ولكنهم كانوا من محافظات أخرى!
آه، فهمت... يبدو أن الله تعالى يختار من كل محافظة شخصًا واحدًا ويجعله معاقا! إذًا أنا مختارة، أنا (ميس كايرو)... إحساس جميل جدا أن تكون مميزا بشيء! وأن تكون ملفتا للأنظار لأنك مختلف!
تذكرت الآن نظرات النساء لي وأنا أسير في الطريق مع أمي، أو أثناء عودتي من (الكتّاب) مع أخواتي، والكلمة الشهيرة التي تعودتها وصرت أتوقعها من الجميع وهي (ياعيني.. صحيح الحلو ما يكملش)، طبعا بعد مط الشفتين، وصوت يخرج منهما بالتعاون مع الأسنان واللسان يسمى (المصمصة!)، وإحقاقا للحق فإن الجارات ونساء العائلة كنّ يكتفين بالمصمصة دون الجملة الشهيرة، فكانت المصمصة أشد إيلاما لي من أي كلام!
ولكن: (الحلو ما يكملش؟؟!!)
يعني أنا غير كاملة؟
لماذا؟
أنا أفهم، وأتكلم، وأصلي، وأحفظ 3 أجزاء من القرآن الكريم، ولي أسرة جميلة، ومحبوبة، ومقبولة الشكل.
هل أنا غير كاملة لأني ألبس جهازا تعويضيا؟ وما الفرق بين الجهاز ونظارة القراءة؟
أم لأني غير سريعة في المشي؟ وهل هناك ما يستدعي أن أكون من أبطال الماراثون؟
أم لأني عرجاء قليلا؟ هي قدمي وأنا راضية بها، والتمايل طبيعي في مشية أي فتاة، وكل ما في الأمر أنه عندي ملحوظ بعض الشيء!!
فماذا يقصدون بأني غير كاملة؟ مع أني من قليل اكتشفت أني مميزة عن كل سكان محافظة القاهرة ؟؟؟.....
وفجأة.....
ما هذا؟ من هذا الكائن؟ ومن أين جاء؟ يا خبر، إنه مثلي يلبس جهازا تعويضيا، ويتمايل على نفس الإيقاع! دخل الفصل بثبات شديد، وجلس في الصف المجاور لصفي (نسيت أن أخبركم أنه كان هناك صف من المقاعد للبنات وآخر للصبيان)،
:وتوقفت نظراتي عنده، كان وحده ليس معه أمه ولا أبوه، لابد أنه قوي الشخصية وجريء، إنه لا يبكي مثل الأولاد والبنات الآخرين في الفصل، بل ويبتسم تلك الابتسامة التي لم تفارق وجهه، والمفاجأة الثانية التي عرفتها بعد عدة أيام أنه يتيم الأب، والمفاجأة الكبرى التي جعلتني أنظر إليه كبطل أسطوري هو أني اكتشفت أنه يلعب (الكرة) في الشارع مع زملائنا الصبيان بعد المدرسة، بل ويقف حارس مرمى!!
ومرة ثانية سألت نفسي: هل يمكن أن يختار الله اثنين من محافظة واحدة ليكونا معاقيْن؟
وكانت الإجابة التي ارتحت لها: من المنطق أن يكون في كل محافظة بنت معاقة وولد معاق! نعم، أكيد هذا هو السبب، ومن يومها وأنا أنظر إلى (عبدالعزيز) على أنه شريك في التميز، وليس كمنافس جاء لينتزع مني لقب (ميس كايرو)!
أو هكذا توهمت حتى انتقلت إلى مدرستي الإعدادية وقابلت (مايسة)، و(صباح)، و(منى) فعرفت أني لست وحدي المتوجة على عرش الإعاقة في بلدي!!
التعليقات
ما رأيك في التدقيق اللغوي : ما بين الشفتين و صوت ..أجد فيه خلل نوعا ما
ما رأيك ؟ فانا اتعلم منك
رائع جدا مقالك
احببت اسلوبك الأدبي الراقي ،
اسعدك المولى إينما كنتي ``
نسيت أن أخبرك أن تحافظي على تفكيرك الجميل هذا و لا تحاولي كثيراً في جعل من حولك يفهمون كذلك فلكل قدرته و استيعابه العقلي ;) ، كما أتشرف بأن تكوني صديقة لي
أحب أن أختم فقد أطلت الحديث و لكن لأنني شعرت بروحك الجميلة فأنا لا يمكنني عبور الارواح الجميلة دون إلقاء السلام. وفقك الله لما يحبه و يرضاه و أتم نعمته عليك و أسعد قلبك <3