.جاذبية العالم تخنقني ..أريد الطيران ..
احاول الابتعاد ..احاول الهروب و التحليق
خارج هذا الكوكب الذي صار عنوانا لكل قصص الدمار ..
ما الفائدة إن قال لك العلماء بمجال علوم الارض بان كوكب الارض هو الملجأ الوحيد الذي يستطيع الانسان فيه ان يعيش بامان.. وفق شروط و ظروف لا تتوفر بالكواكب الاخرى ..أتدري لم اكن اعلم حقا .
..شكرا على المعلومة
و لكن لدي سؤال يؤرقني ..إن كانت الارض هي الكوكب الوحيد من بين كل الكواكب ..الذي يستطيع الانسان العيش فيه.. فلماذا كل هذه السرعة ...لماذا تتسارعون لتحطيمها و تدمير كل جمال فيها ..لماذا؟ ..أم هو بالنسبة لكم مصير كل شيء مميز و فريد ...مصير كل شيء جميل
أسرعي أرجوك ..فلن أفكر أكثر .. ...واصلي طريقك نحو القمر ..
نجوم و جمال مجرات و ظلام ...سحر و جرعات من الخيال ..
ها هي ذي الغيمة ترسو بي على شواطيء القمر بعد رحلة طويلة ببحار الخيال...
وصلت الى القمر أخيرا ...لا تعرفون مدى سعادتي بهذا الانجاز .. ليس إنجازا كما سماه نيل آرمسترونغ .. فأنا لست بحاجة للإنجازات .. و لا الى المكافآت او الأوسمة الفخرية .. لست بحاجة الى الشهرة..كنت أحتاج فقط الى الرحيل من هنا .من ذلك الكوكب
...و ها قد تحقق حلمي .. ..لم يكن إنجازا بل كان فوزا ساحقا على واقع لا يناسبني ..واقع يأسرني ...
. من البداية كان عنوان رحلتي رحيل بلا عودة... لهذا
الى كل من يعرفني و حتى الى من لا يعرفني ..الى كل منتظر ينتظرني .. ...لا تنتظروني طويلا .. فانا لن اعود ..لا تقوموا بزيارة الطبيب إن أصبتم بحمى الإشتياق .. فقط حبتان من حبوب النسيان ستكفيكم لمواصلة حياتكم بدوني .و .بدون جنوني ..رجاءا إنسوني ...من فضلكم
دعوني أواصل الكتابة فهناك من يقرأ ...
أين كنا ...آ آ آ..نعم ...
..أخيرا بلغت الهدف ...
وصلت الى القمر ..
قبل اليوم أذكر أننا كنا نتبادل النظرات من شرفة غرفتي .. أضمه بين أصابع يدي و أحجب ضوءه بإصبعي . كان صغيرا جدا من تلك المسافة ... و لكنه يبدو لي الآن أكبر ..كعادته بوجهه البشوش ...
.وجدته مبتسما ..لم يتوقع زوارا بذلك اليوم الضوئي ..
كان يضحك بصوت عال و ينظر إلي أنا ..زائره الجديد..
و أنا أحمل الحقائب و الأمتعة و أضعها فوق رأسه لم يكن يملك شعرا كان أصلعا .بوجه أبيض ناصع ...تعلوه عينان رماديتان ... كان الضوء المنبعث ساطعا ..و لم أستطع ان أجوب بعيني كل وجهه ..اغلقت عيني بسرعة .. من حسن حظي أني أحمل بحقيبتي نظاراتي القمرية ..
قال مرحبا بي ...كيف حالك ايها الصبي . ..من أي كوكب قادم انت ..
في الحقيقة ..انا لست بخير ...أشرت بيدي الى الأرض ..أنظر الى ذلك الكوكب الأزرق الحزين ..الذي يبدو مثل دمعة بوجه هذا الفضاء الواسع الفسيح ..
أنت من سكان الأرض ..إذن
نعم .. إعذرني على زيارتي المفاجئة . و هبوطي الإضطراري فوق أرضك ..دون إذنك ..آسف حقا ..
لا تعتذر ..فانا أعرف كل شيء عن صديقتي الارض ..هي الآن مريضة بداء توغل الى أعماقها ...مرض يطلقون عليه إسم ( البشر ) ... إبتسمت و هو يخبرني بإسم هذا المرض لم أصدق ..لقد أصبحنا بالنسبة للكثير من الكواكب و المجرات داء خطيرا ...فيروسا مدمرا ...
حين سمعت هذه الكلمات من القمر..تساءلت وقلت بقرارة نفسي ..ألا يعرف أني بشري مثل كل البشر ...فقدت الامل .....و رحت أفكر بعيدا ..الى أين سأذهب إذا طردني القمر ..الى أين ... ولكن مخاوفي كلها تبددت حين قال و كأنه إطلع على أفكاري ...لا تقلق أيها الصبي ..أحس بأنك مختلف عن البشر ..إحساسي يخبرني بأنك مميز بشيء ما عنهم ....سعيد حقا بزيارتك أيها الصغير .
.لقد كنت بحاجة ماسة الى شخص ما يبدد وحدتي ..
لم يطردني القمر ..لم يرمني بالفضاء كما فعل بالبعض ..بل رحب بي قائلا ..إفعل ماتشاء ..انت حر فوق هذه الارض ..
يمكنك المكوث و البقاء الى الابد إن أردت .
.دقائق من السعادة غمرت قلبي و أنا أسمع تلك الكلمات ..
قبلت رأسه وشكرته ...
ساعدتني تلك الغيمة الوفية وبقيت بجانبي ...تلتقط لي بعض الحجارة الصغيرة من بقايا النيازك و تضعها بتجويف صغير فوق سطح القمر ..قال عنه القمر أنه أنسب مكان لبناء منزل .... بمساعدة غيمة الأمل كما كنت أسميها
إنتهيت من بناء منزلي...إكتمل أخيرا ..
و قد أصبحت القاطن الوحيد بالقمر ...لا ضجيج و لا إزعاج ..كل شيء جميل هنا ...
منزل صغير يطل على بحيرة بيضاء جميلة ..تعيش بأعماقها أنواع غريبة من الحيتان المضيئة
...بجانب تلك البحيرة غرست بعض بذور الفاصولياء و الجزر ..التي كنت احملها معي بكيس صغير ..أعطاني إياه جدي ....
كان القمر كل ليلة يروي لي و للغيمة ..قصصا عن مخلوقات غريبة و عجيبة تعيش بالكواكب الاخرى .. و حكايات جميلة عن علاقته بمحبوبته الشمس ..
لم يلتقيها يوما ...و لكنه احبها و أحبته دون ان تراه ...رسائل كثيرة هي التي تبادلاها بينهما طوال سنوات ضوئية ..
رسائل مضمرة بالشوق مليئة بالحب ..
كان كل شيء جميلا و رائعا .
.حين تخليت عن الوقت ..حين إبتعدت عن البشر . ..
الايام تمضي ببطء ..كنت كل يوم أنظر الى الأرض عبر نافذة غرفتي ... انتظر مرور شهاب الأمنيات .... لأتمنى أمنية يعرفها الجميع ....
أحلامي كلها كانت جميلة وسعيدة ..أرى الارض و هي تداعبني بيديها ..تبتسم ...
و تضحك ..و أبقى أنا مصغيا اليها ..متأملا تفاصيل وجهها الضاحك الجميل ..
أفيق كل مرة و أتمنى أن لا أفيق ..أنظر من فوق القمر واترقب الأرض متمنيا رؤية إبتسامتها .....
ولكن لاشيء من ذلك لازالت شاحبة الوجه محطمة القلب ....أنا أسمع نحيبها لازالت تبكي
كل شيء بذلك الكوكب . ..يسير نحو الأسوأ..كل شيء يعود الى الوراء .. ...فالمنازل المتصدعة لم ترمم جدرانها ..بل دمروها . و تحولت في لحظات الى ركام ..الى تراب ....
ذات ليلة ..و أنا نائم ..سمعت دوي إنفجار أيقظني و أيقظ الغيمة و القمر لم يكن إنفجارا عاديا ..و كأن حرب عالمية ثالثة إندلعت .. وكأن قنبلة نووية إنفجرت ...نظرت عبر النافذة الكوكب الازرق ..صار أحمرا .. ..نيران مشتعلة بكل جزء منه ..
و دخان اسود يتصاعد ببطء ...إنها الأرض ...الارض تحترق ..الأرض تحترق ...
الدموع تتساقط من عيني دون توقف ...شيء ما يحدث بقلبي ..إنفجار ثاني بأعماقي ..خرجت و وقفت أمام المنزل ..أرى الأرض مثل كرة مشتعلة مثل نيزك ملتهب ... بعيون دامعة أنظر إليها وهي تهوي هناك بقاع هذا الفضاء .و تختفي شيئا فشيئا ..
بكلمات متقطعة رحت أصرخ ..لقد فعلها لقد فعلها ...
هنيئا لكم أيها البشر ...
هنيئا لكم أيها الحجر ...
#موساوي عبد الغني
.
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
التعليقات
تأخذنا في مغامرات جميلة رغم الحزن القابع بين حروفها ..فجأة
نجد أنفسنا نحلق معك و نسافر على متن سفن
و طائرات خيالك ..
اعجبتي . بالتوفيق
لكن قليل من الالم كثير من الامل ( وسوف تمشى الامور )
ههههه حتى وانت على القمر بعيد عننا بالآلاف الاميال ... لسه الحزن يخيم على كلماتك ...و لا تدري لماذا ...؟؟؟ ههههههه
يا رب يسعدك دوما اخي الغالي عبد الغنى.. كنت احاول اضحك معك شوية وخليك معنا هنا ( لا تذهب للقمر بدوننا ) احب كتاباتك يا فنان
تصبح على خيال أيها المبدع المختلف
ماأجمل تلك المشاعر التي
خطها لنا قلمكِ الجميل هنا
لقد كتبتِ وابدعتِ
كم كانت كلماتكِ رائعه في معانيها
فكم استمتعت بموضوعك الجميل
بين سحر حروفكِ التي
ليس لها مثيل
دمت بألف خير