عندما تغضب الوردة!
وجوه ..وأقنعة ... وأشياء أخرى
نشر في 08 ماي 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في أجواء ربيعيه . أطلت علينا بساقها الأخضر ورأسها الملون . فتهافت الأطفال عليها . وأخذوا يأتون من كل صوب وحدب .لمشاهده هذه الورده الجميله . فأينما ذهبت ساروا وراءها . فمنهم من أراد التقاط الصور معها . وآخرون أقبلوا على مصافحتها . بينما اثار الفضول عددا آخر من الأطفال لإستكشافها .فبدأوا في لمس الورده.وتطور الأمر لشد أجزاء منها هنا غضبت الورده لدرجه جعلتها تفقد السيطره علي اعصابها. فنزعت عنها لباسها .ليخرج منه شاب نحيف قاطب الحاجبين مكفهر الملامح صاح غاضبا في وجوه في الأطفال الذين انتابهم الذعر فمنهم من جري بعيدا .وآخرون تعثروا وتعالت صيحاتهم الفزعة بينما بدا الأمر علي الجانب الآخر من الحديقه .كنت اسمع ضحكات الأطفال المرحة وعندما التفت إليهم شاهدتهم وهم يلهون في براءة مع الاسد !!.
هذا المشهد المزدوج الذي رأيته في الحديقة يكشف بوضوح عن ظاهرة الأقنعة في حياتنا فمما لا شك فيه ان لكل انسان ملامحه وحالته النفسيه التي تميزه عن غيره من البشر والتي عرفها علم النفس "بالشخصيه " و بالرغم من تعدد الادوار التي نقوم بها في المجتمع حيث قد يلعب الفرد منا دور الموظف والأبن والأب والزوج ...إلا انه من الطبيعي أن تحمل هذه الأدوار جميعها نفس ملامح الشخصيه لنفس الفرد بالرغم من اختلاف طبيعه الدور الذي يقوم به. لكن نجد أن هناك من يفضل إخفاء شخصيته الحقيقيه وراء " قناع " أو" برسونا "كما عرفه عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي" كارل يونج "حيث قال أن "البرسونا" هي الشخصيه التي يحب ان يظهر بها الفرد و يجدها هي الافضل بالنسبه له أو للدور الذي يلعبه في المجتمع.
وبالرغم من قدم تاريخ الأقنعه حيث إستخدمتها القبائل الإفريقيه لتمييز كل قبيله عن الاخري . واستخدمها الرومان علي مسارحهم ليخفي الممثل ملامح وجهه تحت القناع لإبراز الشخصيه التي يؤديها.لكن هناك اقنعه حديثه ظهرت في حياتنا هذه الأيام تحت اسماء اخري مثل "الافاتار" و" الاسم المستعار"والتي يظهر بها الفرد عاده في الشبكه العنكبوتيه وعلي مواقع التواصل الإجتماعي . فيختار له اسما وصوره غير حقيقيين ومن وراء هذا القناع المزدوج يتمكن من الافصاح عن وجهة نظره وآرائه والتي منها ماهو صائب او مخطئ وأحيانا خادش للحياء . دون الخوف من كشف هويته الحقيقيه . فهناك من يستتر خلف صوره لرئيس أو زعيم أو ممثل أو مطرب او رجل دين او عالم و فيلسوف او حتي شخصيه كرتونيه اوشعار ما ليمرر من خلالها آراءه وحكمه أو مهاتراته. فتجد لها طريقا لدي متابعيه ممن وقعوا تحت تأثير هذا القناع.
ففي اعتقادي أن هذه الأقنعه بالرغم من اختلاف أنواعها ما هي الا مساحيق تجميليه كالتي تستخدم لاخفاء عيوب الوجه. فيبدو الفرد في احسن صوره له من وجهة نظره. لكنها صوره مؤقته . فبمجرد إزالة مساحيق التجميل تظهر العيوب بوضوح مره اخري .كذلك الحال لمن يرتدي القناع . فمنهم الماهر الذي يتمكن من الاحتفاظ به لمده طويلة. وهناك من لا يستطيع ذلك فيسقط عنه القناع بعد فتره قصيرة لتظهر شخصيته الحقيقيه في النهاية
.وكما تنوعت طرق المكياج فمنها ما يناسب اطلاله النهار التي تختلف عن الاطلاله المسائيه فهناك من تعددت لديه الأقنعه التي تختلف بإختلاف الأشخاص الذين يتعامل معهم والمواقف التي يتعرض لها مما يؤدي الي حدوث إختلال نفسي ليصل عند البعض لدرجة المرض الذي يعرف في علم النفس ب "الشيزوفرنيا".وما بين القناع و الحقيقه يفقد الفرد القدره علي تمييز هويته فلا يعرف من هو وتتلاشى معها ثقته بنفسه و مصداقيته بالنسبه للمجتمع . فبالرغم من اقتناع هذا الفرد باختياره للقناع المناسب له. الا ان هناك العديد من الناس الذين يدركون الزيف في ملامحه.
فلابد للإنسان ان يكون صريحا متصالحا مع نفسه مهما كانت شخصيته فمن منا خال من العيوب ؟! لكن المحظوظ فينا من يقدر علي مكاشفة ذاته بعيوبها والعمل علي اصلاحها بقدر المستطاع بدلا من الإختباء وراء الأقنعه .فيشعر بثقته في نفسه التي تنعكس بدورها علي المجتمع
الإنسان بفطرته قادر علي التمييز بين الجمال والقبح وبين الحقيقه والزيف . فبالرغم من جمال شكل الورده ورقتها التي جذبت بها الأطفال في الحديقه الا أن الأطفال الذين التفوا ومرحوا مع الاسد كانوا هم الاسعد حالا .
ولاء سمرة