فى رحاب فكر علي شريعتى، المفكر الثائر!
فى رحاب فكر علي شريعتى
نشر في 13 أكتوبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
تضج البشرية بملايين تولد وتموت بدون ان يتركوا اثر لأنهم اختاروا الحياة العادية التى لاتحمل سوى اشباع غرائز البقاء التى يمتلكها اى حيوان اعجم ؛فلاهم يحملون قضية ولايفكرون فى شىء أكبر من نظاق حياتهم الخاصة ؛وبين هؤلاء البشر يجود الزمان بقلة من المخّلصين الذين يحملون رسالة أكبر من حدود المسؤولية الشخصية لتنطلق نحو المسؤولية عن المجتمع التى هى تكليف لكل مثقف كما ارادها مفكرنا علي شريعتى ووضحها فى عدة مؤلفات تخص مسؤولية الانسان ومسؤولية المثقف نحو قضايا امته ومجتمعه ودينه بشكل عام ؛فهذا ليس تفضلاً بل تكليف عليه ومسؤوليه خولتها اليه ثقافته ومعرفته التى لم تتواجد عند عوام الناس الذين تمتلىء بهم الطرقات والاسواق وياكلوا ويناموا ويتكاثروا ويموتوا دونما سطر يكتب عن ماقدموه لغيرهم!
وبينما يوجد بكل وطن الآف من المفكرين فانه يوجد قلة منهم تطبق ماتقوله من افكار ونظريات ؛وان طبق البعض من هؤلاء القلة افكارهم تظل هناك فجوة كبرى بين نظرياتهم وواقع مجتمعاتهم ؛وبين جذور مادة اصلاحهم للتلك المجتمعات وبين واقعهم المغترب تماماً عن مشكلات الحياة ببلادهم ؛فتجد المثقف والعالم منهم يرتدى الماركات ويسكن القصور ومن ثم ينادى بالاصلاح فى مجتمع لايعرف اسواقه وشوارعه والقرى التى أنتجت المواطين الذين يخاطبهم؛وهذا ما لم يفعله شريعتى فلقد آمن بالعدالة وطبقها على نفسه ؛وهو ابن بيئته ومجتمعه ودينه وثقافة وطنه ؛لم يتغرب ولم يستورد حلول لمشاكل مجتمعه من الغرب او غيره فحافظ على أصالة الفكر وتجديد التراث ونقده دون تورط فى معارك لا يعلم طريقة حلها.
كان يستطيع كأى طالب فى العشرينات يتعلم بفرنسا ويعيش بالغرب ان يتشبه بهم ويفتن بالالحاد او حتى فلسفات العلمانية ويستمتع بحياته ويعيش دور الاوروبى المغترب لكنه لم يفعل! وكان يمكنه ان يكون مجرد رقم من المنظرين او المثقفين السلبيين لكنه لم يكن فقد اختار ان يصبح #علي_شريعتى
فمن هو علي شريعتى؟!
_ولد علي محمد شريعتى بقرية بخرسان بايران ديسمبر 1933م كان ابوه من كبار المفكرين والمجاهدين الاسلاميين ؛فنشأ علي شريعتى منذ طفولته مهتما بقضايا الدين والامراض المنتشرة فى المجتمع وادرك مبكرا ان مبادىء الدين الموجودة فى الكتب شىء وتلك الشعائر التى يمارسها الناس شيئا اخر! ورغم اكتشافه تلك الحقيقة مبكرا لم يقم مثل غيره بالفرار من الدين والنفور منه ونبذة ؛بل كان يرى ان الدين فى حاجة الى ثورة تقوم بتحويلة من عامل ضعف لعامل قوة وطاقة وحياة..وهكذا فعل فى حياته وفكره.
_لم يعكف على الدراسة النظرية والبحث فقط بل قام بالعمل معها على ارض الواقع منضما لجناح الشباب فى الجبهة الوطنية وهو لم يزل بعد صبياً ؛وانضم لحركة المقاومة التى اسسها آية الله زنجانى وعندما ضربت بعنف سجن شريعتى ستة اشهر ولم يكن بعد قد تخرج من كلية الآداب سة 1958 ؛وبعد ذلك تخرج من الجامعة بدرجة الامتياز رغم كل الظروف فارسل لبعثة الى فرنسا وهناك منذ 59 وحتى حصولة على الدكتوراة لم يتعرض شريعتى لتلك الصدمة التى يتعرض لها المبعثون من العالم الفقير المستضعف عندما يتعاملون مع العالم الغنى المستكبر بل كان شاباً زكيا مثقفا عارفا دينة يقظا ونابه ومشغول بقضايا امته ووطنه فكان مسلماً حقيقياً عرف تراثه بدون تزييف وخاض سنوات بفرنسا للمعرفة الحقيقية باسباب قوة الغرب واسباب ضعفنا وبنقاط قوتهم ومكامن ضعفهم وانهيارهم بل عرف عظمة مالدينا فى اوج دراسته هناك ؛وايضا واصل نشاطه السياسى وناصر قضايا امته وساند ثورة الجزائر واعتقل فى احدى المظاهرات المعترضة على اغتيال لومومبا ..
ولم يتغرب عن هدفه مطلقا ونال درجة الدكتوراه فى علم الاجتماع الدينى ؛ودكتوراة ثانية فى التاريخ الاسلامى ثم عاد الى ايران فى منتصف الستينات وبدأ رحلتة لتطبيق مشروعه الكامل نحو ثورة دينية اى داخل التراث الدينى لتصحيحه وغربلة المفاهيم الخاطئة وتحويل الدين لقوة فعل وضغط وقوة وروح وحياة وحارب كل طغاة رجال الدين خدمة الحاكم والمتربحين بدينهم واصحاب الكهنوت الفكرى على كل من يحاول ان يصحح فى التراث او يتكلم فى التاريخ الاسلامى او ينتقد للتجديد والتطوير وخلق فكر دينى معاصر لنهضة الاوطان..
ومن ناحية اخرى مشروعه فى ثورته الفكرية بنشر الوعي وتحويل المجتمع لجامعة كبرى ينتشر فيها الشباب الواعى الحر الثورى المثقف المؤمن الغير متغرب او متشبه او مموع او مخدوع بافكار شيوعية واخرى الحادية علمانية اوغيرها فقط منطلقا مما لدينا لبناء فكر جديد يخص مشاكل امته ووطنه وحلول لها من بيئتها ومن طبيعة مجتمعه وتاريخه..وبذلك هيأ بثورتة الدينية وثورتة الفكرية الارض والمجتمع والشباب لثورة سياسية شاملة.
وكما يقول الدكتور ابراهيم شتا..(كان شريعتى يستطيع ان يكون مدرسا بالجامعة مرموقا وناقدا وعالما بالغرب ودليلا متطوعا لمايسموه التنوير الغربى والحداثة ومتغرب الهوى ذو حيثية واموال ووجه متألق بالاعلام او ينشغل بترجمة سارتر كفيلسوف وجودى بوجه شرقى! ولكنه بدلا من ذلك الف كتابا عن (ابى ذر الغفارى) وفكر العدالة الاجتماعية فى الاسلام ..واخذ يلقى بالاحجار فى المياة الآسنة ناشرا التنوير الدينى وفجأة وسط ثقافة الشاهنشاهية وتغرب ايران يعلن الشاب ان ايران ليست تملك الاّ حضارتها الاسلامية..ويصبح الشاب ذوة الثلاثة والثلاثون عام حجر عثرة للبلاط الحاكم ونفوذة ورجال الدين الرسميين الذين لطالما نعتهم بانهم يعطون صورة لاسلام مزيف يبعث على النوم ويتوائم مع الطواغيت))
_وانتشر فكره بين الشباب واخذ يعطى محاضرات لهم فى كل مكان بمساجدوحسينيات؛ونوادى حتى بلغ عدد الحاضرين له فى المحاضرة الواحدة ب3او 4الاف! واضطهدةالنظام وسجنه مرة ونفاه لقريةبعيدة يدرس لابتدائى بالارياف اخرى ولكنهم لم يفلحو فى ابعادالجمهور عنه ولا طفى شرارة الثورة الفكرية والثورة الدينية التى اطلقها فى صدور وعقول الشباب والمجتمع مما جعل النظام الحاكم ينفيه للندن وهناك وجد ميت بعد عدد من شهور قليلة واعلنت الحكومة انه مات بازمة قلبية ! والكل ييقن انهم اغتالوه وذلك فى عام1977
_استشهد المناضل المفكر الثائر ولكن ثورته اكتملت بالجيل الذى رباه سياسيا ؛واستمرت ثورتة الدينية وثورتة الفكرية تعلم اجيال من الامة كلها حتى اليوم..
اهم ملامح فكره..
لوحاولت ان الخص ملامحه الفكرية البارزة فى انتاجه لكتب سلسلة مقالات تخص كل كتاب من انتاجه ولكنى سأكتفى بمحور افكاره التى تدور حولها فلسفته الاجتماعية وانتاجه الدينى والسياسى والتى نحتاج لها كثيراً فى عصرنا الحاضر..
اولاً: لقد خاض معارك حقيقية تخص نقد التراث التاريخى والدينى لمجتمعه الايرانى والامة الاسلامية بشكل عام ومنهجه النقدى تميز برصانة معتبرة فلم يهاجم او يأتى بافكار استشراقية تخص هدم الصالح من تراثنا الاسلامى ولم يتمسك بزهو مريض بخيال تاريخ مجد وطنه ؛بل قام بتمحيص للتاريخ وجذور التراث الدينى لامراض مجتمعه واستمد من خلالها منهج اصلاحى وثورى راسخ يشبه مجتمعه وأمته ؛ومن يقرأ كتابه الماتع (التشيع العلوى والتشيع الصفوى) سيرى مستوى النقد العالى والغربلة لتاريخ وطنه الدينى وتراثه بحياد وهدم للباطل والتطرف والخزعبلات الصفوية بشكل قل نظيره بالنسبة لمفكر شيعي فى الاساس..
ثانياً: لقد تميز فى كتابته بمعادة التغريب والاحتلال وادوات الاستعمار الثقافى والفكرى واتسم بموضوعية تلاحم مع الشارع والطلاب مما كتب لرسالته الفكرية الخلود ؛وأسس افكاره وفلسفته على تجميع الامة دون تعصب او طائفية معلناً التقارب بين السنة والشيعة خصوصاً فى عداء الاحتلال والفساد ..
ثالثا: تظل أبرز ملامحه الفكرية تتجسد بعظمة فى محاربته للاستبداد السياسى والدينى وتلخيصه لذلك بانه سبب جوهرى فى تخلف الامة ودمار الاوطان وقد ماثلت افكاره افعاله حيث هو من ربى جيل الثورة الايرانية التى هزت العالم انذاك ؛ورغم استشهاده قبل قيامها الاّ ان الذين قاموا بها على ارض الواقع هما طلابه والمنتهجين لفكره الذى زرعة طوال عقدين من النضال ؛وبحياته ونضاله وتطبيقه لفكره ومنهجه المجدد الناقد اثبت لاجيال بعده ان طريق الثورة يبدأ من نشر الوعي الثقافى والدينى.
-
أميرة أبو شهبةباحثة فى الفلسفة والتاريخ
التعليقات
مقال رائع عن علي شريعتي