لأوّل مرّةٍ في حياتي، أجدُني عاجزة عن تحديد ماهية الشّعور الّذي أعيشه في هذه الفترة الأخيرة من حياتي.
أتراهُ حُزن أم خيبةٌ أم غيرة أم كُره؟ أم ماذا؟
أصابني تبلّدٌ مرعبٌ في المشاعر و التّصرّفات و حتّى ردود الفعل..
حتّى دمعتي الّتي لطالما كانت قريبة جدًّا و رقيقة تهرُع لمواساة أي شخصٍ قريبٍ كان أم بعيد فتُذرَف سريعًا. أجدُها اليوم معتكفة داخل جفوني متحجّرة تأبى مواساتي بكل حزمٍ و عِناد.
لا قُدرةَ لي على تكييف مشاعري و تحليلها. و جُلّ ما أعرفه أنّه لم يسبق لي أن مررتُ بهكذا شعور طيلة حياتي قبل هذه الفترة الملعونة.
أتذكّر طفولتي اليوم، أتذكّر تلك الطفلة البلهاء الّتي تتلخّصُ درايتها عن الحُب في كلمة "أُحبّك" و المكالمات اللّيليّة السّريّة و مسكٍ للأيادي و قُبَل مسروقة.
ثمّ كبرت تلك الطفلة قليلًا لتعرف الحُب على أنّه جنون و صرعة من خلال تلك الأفلام و المسلسلات الأجنبيّة الّتي كانت تتابعها بنهمٍ وغبطة وحسرة.
ثُمّ كبرت أكثر، فبدأت تقرأ الكُتب و تكوّنت لديها معرفة فلسفيّة قليلًا، ناضجةٌ -على حدّ تعبيرها-. فظنّت عبثًا و جهلًا أنّها قد فهمت معنى العلاقات والحُبّ بقراءتها ل "هيبتا".
و ظنّت بذلك أنّها على أتمّ الاستعداد للوقوع في الحُبّ و الدخول في علاقة عاطفيّة. وأنّ تلك العلاقة ستكون الأنجح و الأقوى في تاريخ العلاقات؛ لأنّ العلاقات من وجهة نظرها الّتي تكونت من قراءتها لبعض الكتب و مراقبة بعض العلاقات من حولها و الأفلام على القليل من المسلسلات، تقوم بالأساس على التّفهّم و الاحتواء و غيرها من المصطلحات الفلسفيّة المعقّدة الّتي كانت تنطقها و تطبّقها بإعجابٍ و انبهار كبيريْن. فكانت تحتوي و تتفهّم و تستمع و تصغي باهتمام و تركيز. و كان هذا التّفهم و الاحتواء يُشعِرانها بالسعادة، بغضّ النظر عن تلقيها إيّاهما بالمقابل من عدمه.
إلّا أنّ الحقيقة كانت مُرّة بكُلّ ما للكلمة من معنى. فقد اكتشفت بأن العلاقات تتطلّب في أغلب الأحيان الالتواء و التّلوّن و عدم الصراحة مع رشة "كذبة بيضاء" و صغر للعقل حينًا.
كُسِرَ قلبُها، من شبهِ علاقةٍ و شبه حبيبٍ لا شجاعة لديه بأن يتبنّى المركز القانونيّ للحبيب. كائنٌ غريبٌ مريبٌ جاحدٌ، يفتقِرُ لأبسط مقوّمات الرّجولة و هي تحمّل مسؤوليّة الكلمات الّتي تخرج من ذلك الفم المُقرف. فيقولُ كلمة "أحبّك" و يتبعها بِ "بس إحنا مش بعلاقة"!
فقدتُ قدرتي على الفهم حقًّا، أتراه فعلًا لم يراني سوى مخلوقةٌ غبيّة بلهاء يريد أن يفضفض لها و يحكي لها كل ما يهمّه فيجد منها الإصغاء و الاحتواء و التّفهّم و النصح و قليل من رفع المعنويّات، دون مسمىً واضح و دون مُقابل؟
أُدرك اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أنّي لا أحبّ ماجِد و لم أحبّه يومًا. فقبل ذلك اليوم كُنتُ أملك مَلَكَةً صديقة لا تُجامِلُني تمكّنني من فهم و تكييف مشاعري تُجاه الشخص الّذي أمامي أيًّا كان. و مَلَكَتي الوفيّة هذه كانت قد أخبرتني مرارًا و تِكرارًا أنّ ما أشعر به تُجاه ماجِد ليس بحُبّ، و ما هو إلّا مزيج بين "إعجاب إلّا قليل" و فراغ. فراغٌ قاتلٌ كان يحيط بأيّامي و يخنقها رويْدًا رويْدًا، إلى أن دخل ماجِد حياتي برسائله اليوميّة الّتي كانت تُشكّل الجزء الأفضل من يومي. فأنقذ جزءًا صغيرًا من حياتي من قبضة ذلك الفراغ المقيت. أنقذ ذلك الجزء الصّغير فوجدتُني مُكتفية به، أعيشُ فيه مُمتنّة لذلك الفارس الّذي خلقتُه في خيالي و حاولتُ تطويعه و تقويمه و تحجيمه و أسميتُه غصبًا باسم "ماجِد".
و لإعطاءِ كلّ ذي حقٍّ حقّه، مشاعري تُجاه ماجِد يمتزج معها الامتنان، امتنانٌ لدخولِه حياتي المملّة الرّتيبة الفارغة القاحلة. امتنانٌ لرسائله الّتي تُشعرُني بوجودي في هذه الحياة. امتنان لإصغائه النّشط -أحيانًا- لهمومي، قبل أن تنقلب شكواي لحديثٍ مسهب منه عن أحلامه و طموحاته و مخاوفه "هو"! امتنان لإرضائه لغروري بإعجابه بي منذ أيّام الجامعة لتلك الفترة.
أعتقد أنّ الجزء الّذي كُسِر من قلبي ليس الجزء المخصّص بالحُبّ. بل الجزء المخصّص للكرامة و عِزة النّفس و عذريّة قلبي.
أنا أؤمن حقًّا أنّ القلب يتمتّعُ بِ "عُذريّة" من نوعٍ خاصّ. عُذريّة تتعلّق بالوقوعِ في الحُبّ للمرّةِ الأولى، بأوّل كلمة "أُحبّك" ينطقها المرء في حياته.
ما آلمني حقًّا هو إهداري لأوّل كلمة "أحبّك" على كائنٍ لا أحبّه خشية كسر خاطره عند رفضه و عدم ردّها له. فكُسِر خاطري أنا!
أمّا اليوْم أجدُني ألوم نفسي قائلة أن الوضع كان سيكون أقل فضاعة ممّا هو عليه الآن لو كُنتُ أحب ماجِد. لكنت تأكّدتُ على الأقلّ أنّي قد أهدرتُ عُذريّة قلبي على شخصٍ أحبّه. حتّى و إن لم يكُن يُبادلُني ذات الشعور، كنت لأفخر بشجاعتي في الحُب بنطق كلمةٍ أعنيها حقًّا. أمّا و أنّ الحال على ما هو عليه اليوم، فإنّي أشعر بغرابة لا مثيل لها. غرابةٌ تجعلُني أشعر بالغثيان تارةً و بالصّداع تارةً أخرى.
لكنّي مؤمنةٌ إيمانٌ يقينيّ بأنّ هذا أيضًا سيمضي..
الجمعة، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٩
٢:٣١ صباحًا
من غرفتي الصّغيرة