هل يوجد تطابق بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل يوجد تطابق بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية؟

  نشر في 19 أبريل 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

إن مشكلة العلاقة بين الأخلاق النظرية والأخلاق العملية ما زالت قائمةٌ بين الباحثين دون أيّ بتٍ في أمرها، بل لم يتفق على قولٍ فيها، إنها عالقة تنتظرُ حلاً، بل تنتظرُ إعناءاً بالآراء ورافداً بالأفكار، لإنها في إعتقادهم غير قابلةٍ للحل القطعي.

في هذا المقال سنستعرضُ تعريفاً عاماً لمفهومِ الأخلاق، والإتجاهات العامة حول مفهوم الأخلاق النظرية والأخلاق العملية ومدى تطابق المفهومان مع بعضهما البعض من الناحية النظرية والعملية.

أولاً:- تعريف الأخلاق

تتعدد المفاهيم والتعريفات بشأن تعريف مفهوم الأخلاق وذلك حسب المدارس والفلسفات والاتجاهات السائدة آنذاك، إلا أن ما يهمنا في هذا المقال وهو تعريف الأخلاق من الناحية اللغوية والإصطلاحية.

مفهوم الأخلاق لغةً:-

الأخلاق هي جمع خُلق وتستعمل للدلالة على علم معين، ويناظرها في اللغات الآوروبية كلمة (Morale) بالفرنسية و(Morals) بالإنجليزية و( Moral) بالالمانية و( Morale) بالإيطالية وهذه الكلمات مأخوذه من الكلمة اللاتنية( Mores) جمع (Mos.) ويناظرها في اليونانية وجمعها ومنها اشتقت الصفة، ومن الصفات جاء الأسم الأخير للأخلاق وهو Ethica في اللاتينية ethique في الفرنسية ethics ، في الانجليزيةethic في الالمانية، وفي الايطالية Ethica.

وفي اللغة العربية جاء معنى الأخلاق بمعنى حسن التقدير والحكمة، ويشمل الخُلق على هئية جميلة، ومن هنا جاءت كلمة خُلق بمعنى السجية والطبع والمروءة والدين.

مفهوم الأخلاق إصطلاحاً:-

نقتصرُ في هذا المفهوم على تعريفين اثنين فقط وهما تعريف عبدالعزيز أحمد، والإمام الغزالي.

يعرف عبد العزيز أحمد في كتابه: " مبحث في نظريات الأخلاق" الخلقُ بأنه عادة الإرادة يعني إذا اعتادت شيئاً فعاداتها هي المسماه بالخلُق، فإذا إعتادت الإرادة العزم على العطاء سميت عادة الإرادة هذه خُلق الكرم، أو ميلٍ من الميول يغلب على الإنسان بإستمرار، فالكريم هو الذي يغلب عليه الميل إلى العطاء، ويضيف بأن الخُلق صفة نفسية وليس شيئا خارجياً، أما المظهر الخارجي للخلقُ فيسمى السلوك أو معاملة، والسلوك دليلُ الخلق ومظهره، فإذا رأينا معطياً يعطي بإستمرار في الظروف المتشابهة استدلنا من ذلك على وجود خلق الكرم عنده.

أما الإمام الغزالي فله تعريفٌ مغاير لتعريف عبدالعزيز أحمد، فيذهب في تعريف الاخلاق بأنها تكيف النفس وردها إلى ما رسمته الشريعة وخطه رجال المكاشفة من كبار الإسلام ومن سبقهم من الإنبياء والمرسلين.

نلاحظ من تعريف الغزالي للأخلاق بأنه متأثر جداً بالشريعة الإسلامية، فهو يربط بشكل لا ينفصل الأخلاق بالدين، فتحقيق الغاية من أجل الوصول إلى الآخرة هي خير الإعمال التي توصلنا إلى النجاة يوم القيامة.

ثانياً:- الأخلاق النظرية والعملية

عند الحديث عن الأخلاق علينا أن نميز بين وجهين للأخلاق، أحدهما نظري والآخر عملي، فالأول يضع الأسس والمبادئ والنظريات التي يستند إليها السلوك الانساني، والثاني عملي يبحث في التطبيقات العملية لهذا السلوك، داخل كيان عيني محدد.

الاتجاهات العامة حول تفسير مفهوم الأخلاق النظرية:-

عند الحديث عن مفهوم الأخلاق النظرية لابد لنا أن نقف قليلاً عند عملاقين آثنين من عملاقة الفلسفة النظرية المثالية للاخلاق إلا وهما:-

*إمونويل كانط الذي ينفي عن الأخلاق خضوعها للتجربة، على إعتبار أن الجانب الذي يتعلق بالتجربة لا يندرج تحت مفهوم الأخلاق، وإنما يندرج تحت نطاق الانثربولوجيا العملية والتي تعني عند كانط أساساً علم الطبيعة الإنسانية كما تقدمها لنا التجربة، والتي تبحث في الملكات الإنسانية من حيثُ قدرتها على تحقيق سعادة الإنسان، وتنمية مهاراته العملية عن طريق التربية والتهذيب وهي بوجه عام تتعلق بموضوعات أفعال الإنسان.

*الإتجاه الأخر المناقض تماماً لكانط إلا وهو ليفي بريل الذي هاجم الاخلاق النظرية بشدة قائلاً:- إن الأخلاق النظرية تعتبر نفسها نظرية وعملية في نفس الوقت، وهذا فاسد منطقياً حسب رأي ليفي لأن الأخلاق النظرية دائماً معيارية، ولهذا فهي لا تكون نظرية بالمعنى الصحيح، وذلك لأن النظري يصف ويصدر أحكاماً واقعية، بينما المعياري يصدر أحكاماً تقويمية تأمر بكذا وكذا، ولا يمكن الجمع بين النظري والتقويمي، وبين الواجب والتقريرللواجب، ومن المستحيل وضع نظرية لما يجب أن يكون وإنما توضع النظريات لتفسير ما هو كائن.

الاتجاهات العامة حول تفسير مفهوم الأخلاق العملية:-

نتطرق في هذا الإتجاه إلى رائدين آثنين من رواد الأخلاق العملية إلا وهما:-

*الجاحظ:- يميلُ الجاحظ إلى إعتبار الأخلاق الاجتماعية أو الأخلاق العملية المقارنة للسلوك الاجتماعي اليومي المرتبطة بالحياة الضرورية إنما هي خبرة تراكمية تنتقلُ من حينٍ إلى آخر عبر وسائط مختلفة. ويضربُ مثالاً على ذلك حاجة الناس إلى أخبار من سبقهم جاجة ضرورية فهي صفةٌ لازمة في طبائعهم، وخلقةً قائمة في جواهرهم، وثابتة لا تزايلهم، ومحيطة بجماعتهم ومشتملةٌ على آدناهم وآقصاهم.

فالأخلاق الاجتماعية أو العملية من وجهة نظر الجاحظ تمثلُ ضرباً من العلاقات التعاونية القائمة بين الناس والتي بموجبها لايستطيع لإحدٍ الاستغناء عن الآخر، فهي تمثل حالة من عرى الوثاق والتأزر والتفاهم والتعاون البنّاء الذي يفضي إلى قيام مجتمعٍ متعاضد لا يستقوي أحدٌ على الإنفراد به أو الإنقضاض عليه.

بينما نرى الإتجاه الأخر الأقرب لشخصية الجاحظ إلا وهو جورج جورفيتش عندما دعا إلى إقامة تطابق بين الأخلاق النظرية والعملية، وهو في ذات الوقت يناقض صراحة وعلانيةً أفكار ليفي بريل إلى نفي الأخلاق النظرية، وهذا ما حدا ب جورج فيتش إلى بناء علم الاجتماع الأخلاق والذي يعنى بدراسة أنواع السلوك الإرادي والتي يمكن أن نشاهد جميع تحولاتها الخاصة مشاهدة خارجية بصورة جمعية خلافاً ليفي بريل الذي اعتبر الاخلاق النظرية أخلاق مشخصة حركية، وثيقة الأتصال بالحياة والعمل بمعنى آخر انها أخلاق تعددية بالمعنى الدقيق، وتجريبية بالمعنى الصحيح.

بعد الإطلاع على الإتجاهات العامة لرواد النظرية الأخلاقية والعملية لمفهوم الأخلاق لابد من بيان التعرف مدى تطابق المفهومان من الناحية النظرية والعملية.

رأي الكاتب:-

لايمكن الحديث من الناحية النظرية عن إمكانية حدوث فصلٍ تام لمفهوم الأخلاق النظرية عن مفهوم الأخلاق العملية، فكلاهما مكملان لبعضهما البعض، والشواهد على ذلك كثيرة في ذلك ولعلي آضرب مثالاً واقعياً من البيئة المعاشة إلا وهي قيم الصدق والوفاء والإخلاص وغيرها من القيم التي اكتسبنها وعايشنها منذ آمد بعيد.

فقيم الصدق والوفاء والإخلاص هي قيمٌ نظرية إرادية تنبع من داخل أيّ إنسان يعيشُ داخل أيّ مجتمعٍ من المجتمعات، لكن ترجمتها إلى الناحية التطبيقية أو العملية هو الأهم وهذا لايدفعنا إلى نفيها مطلقا عن الواقع أو البيئة التي نعيشُ بداخلها، وحتى نستطيعُ ممارستها لابد من صفة الإلتزام والإقتناع بها وإلا ستصبحُ مجرد قيمٍ هامشية مجردةٍ لا تسمن ولا تغني من جوع.

فحتى نستطيعُ أن نكسب الأخلاق النظرية أكثر حيوية وإلتزاماً فعالاً لابد من الإيمان بها وممارستها ميدانياً على أرض الواقع، وإلا فما فائدة الصدق إذا لم يمارس ويؤتى ثماره بين بني البشر وينجمُ عنه المحبة والوفاء وأن تزداد العلاقات بين الناس أكثر وثوقاً وإلتزاماً.

خلاصة لماسبق فإنني استطيع القول بأن الاخلاق النظرية والعملية عبارة عن خطان مستقيمان لايمكن لإحدهما الإنحراف أو الميل إلى الجهة الآخرى، وهذا من شأن أن يؤثر على السلوك وردات الفعل لدى البشر، فكيف لنا أن نؤمن بالصدق مجرد أقوالاً بدون أفعال تطبيقية نستطيعُ ترجمتها ميدانياً على آرض الواقع بدون الإيمان بها والإقتناع بممارستها حتى نكون أنموذجاً وقدوةً حسنة لمجتمعٍ ينشدُ أبناؤه ومريديه إلى الإلتزام الفعلي بالأخلاق قولاً وفعلاً.

مهما تبدلت الأحوال وتغيرت السنين إلا أن القيم الأخلاقية تبقى ثابتة ولا يمكن أن تتغير، أما السلوك الإنساني والأفعال الناتجة عنه هي من تستطيعُ أن تحافظ على تلك القيم وتعطيها مزيداً من البقاء والديمومة حتى لاتكون عرضة للإنفصال والتشرذم والإندثار عن الحياة العامة للبشر.


  • 1

  • معاذ عليوي
    معاذ عليوي. سكان فلسطين . المؤهلات:- بكالوريوس علم اجتماع- ماجستير تخطيط وتنمية سياسية.
   نشر في 19 أبريل 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا