من أكون؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من أكون؟

  نشر في 10 أبريل 2023  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .

صدقًا..

لا أتهرب من حقيقتي، ولا تتلون روحي بمساحيق التجميل الزائفة وإن فعلت ملامحي، اليوم وبعد صراعات وخسائر لا يُستهان بها، بعد تقلبات نفسية وفكرية عصفت بي لصحراء التغيير، أدركت أنني أتشكل بالأمل والألم، بالخيبات والمسرات، وبكل اللحظات التي غرست في عقلي سهام الوعي، وتلك التي طببت جراحي الغائرة، بمزيج عجيب أعجز عن وصفه، ولكنه تمكن من وصفي..

ذات ليلة اعتراني شعور بالعدوانية، تجاه كل ذرة على الأرض! كل خطوة وكل نظرة، العدوانية حتى على نفسي المسكينة، وددت لو أتحرر من ثقلها كصخرة جامدة لا تُزاح، حينها أعلنت حربي على الحياة بأسرها، فاضت من أعماقي طاقة غضب لم أحتملها، كادت أن تخنق ما تبقى لي من هدوء ورحمة، أرغمتني أن أتساءل بضيق:

كيف أصبحت بهذا الحال المُفزع؟!

لِمَ كل هذه القسوة؟!

أنا لم أعهدني بهذا السوء من قبل!

أنسلخ من جلدي لأرى أبشع نسخة مني!

يا لها من دُعابة سخيفة!

هل من خلاص؟!

ولكن سرعان ما أدركت أنني أتشكل، وأن تكويني وكياني يكتمل بها..

تبدلت الأوضاع مع انحسار الليل، لأجدني في الصباح مُشرقة مُحبة لكل إنسان تقع عليه عيني، أزرع الخير دون مقابل، أتمايل بالسلام واللين والعطاء ببذخ، حتى أن ابتسامة طفل تُنعش قلبي، ودعوة أم تُزغزغ روحي، ومزحة عابر سبيل تُلطف وجعي..

تارة أقع في حفرة الجهل، الجهل بكل ما يدور حولي، من أحداث ومشاحنات وقيل وقال، لأتخذ حافة الكون موطنًا لي، أبعد ما يكون عن دوامة البشرية، لا يصلني منها سوى صداها، لم أرغب في ثرثرة عقيمة تجعلني أشعر بالغربة، وما أكثرها!

أتواصل كالجثة في عالم الأحياء، تتنفس ويدب بها النبض لكنها لا تقوى على المشاركة والغوص في بحور الكلمات..

وتارة أخرى أشتعل بالمعرفة، أبحث في دقائق الأمور بنهم شديد، هُنا وهُناك، لم تُشبع رغبة عقلي في الفهم ولو التهمت ملايين المراجع العلمية، دون ملل أو فتور، أشعر أن العلم لم يُخلق إلا لأتشربه وحدي فقط، وكلما انتهيت بدأت من جديد..

صغيرة أمام جبال الأفكار العملاقة، وأتضاءل أكثر كلما واجهت تضاريسها، ولكني أجد متعة ولذة في صيد كنوزها الدفينة..

أبغض الحدود، تقتلني الحواجز، بيني وبين اتساع العالم، بيني وبين قلوب أحبائي، تزعجني الفواصل التي تمنعني من الانطلاق، تقص أجنحتي، وتُقيدني بسجن الواقع..

وأعشق توحدي، أن أنزوي بغرفتي برفقة أشيائي القليلة المفضلة، الدافئة، فكم تروق لي أحاديثي الصامتة، وبراح سكوني..

تحكمني لحظات النضج، ليعقبها اللهو دون اكتراث بطردي من زمن الطفولة..

أتراقص على أنغام السعادة حين تُهاديني الحياة بالحياة، ومن ثم أتعجب كيف يمكن للحياة ان تمنح السعادة من الأساس!

هي أنا..

مزيج بين الخير والشر، الوضوح والغموض، الحكمة والعبث، القوة والضعف..

لا أخجل من إنسانيتي، من تناقضي، ومن عوالمي الخفية.. التي لولاها لما صُنعت هويتي..

أعلم أن النور لا يزال قابعًا في روحي، وأنه لن ينطفئ بفعل نقصي، وأن الظلام هو الآخر يستقر بزاويته يتربص بي، ودون الانفجارات الإنسانية العظيمة التي تحدث داخلنا لن نكون، وأن هذا الخليط البشري هو سر الوجود، هو الفنان الذي يرسم بريشته أروع اللوحات، ونحن قوالب إبداعه.. ألا تعتقد ذلك؟


  • 6

   نشر في 10 أبريل 2023  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .

التعليقات

Dallash منذ 11 شهر
والله يا استاذة ما زلت تفاجئينني بحروفك ..ما زال التألق يخطب ودك
1
نورا محمد
كم أسعدتني أستاذي الفاضل.. شكراً جزيلاً.. شهادة أعتز بها من إنسان مبدع بارع في الرسم بالكلمات.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا